الرئيسية مقالات واراء
خمسة شبان ارتكبوا أفعالا مخالفة للقانون في الشارع العام؛ حاولوا التحرش بفتاة، واعتدوا على مهندس شاب نهرهم عن الفعل المشين، وأكملوها بالتعدي على رجال أمن حضروا لموقع الحادث.
ثلاث مخالفات يستحق مرتكبوها تحويلهم إلى القضاء، ومحاكمتهم حسب الأصول.
إلى هنا تبدو الواقعة مألوفة؛ حدث مثلها وأشنع منها من قبل، وستقع من دون شك حوادث مشابهة في المستقبل.
لكن القضية أخذت منحى مختلفا، بعدما تبين أن مرتكبيها شبان عراقيون. وعلى الفور انطلقت حملة مشحونة بالكراهية والعنصرية ضد العراقيين في الأردن، انخرط فيها نواب، ووسائل إعلام، وجمهور عريض على مواقع التواصل الاجتماعي. ورفع نشطاء على "فيسبوك" شعارا موغلا في عنصريته: "يا غريب كون أديب"، وكأن الأدب واحترام القانون يقتصران على الغرباء في الأردن فقط.
وذهب البعض إلى حد وصف ما جرى باعتباره "اعتداء عراقيا على الدولة الأردنية"، وتسابقت وسائل إعلام إلكترونية في إطلاق التعبيرات العنصرية؛ "عربدة عراقية في الأردن" كان الوصف الأكثر تهذيبا، وسط سيل من الشتائم بحق شعب شقيق.
يستحق الشبان الخمسة العقاب كما قلنا من قبل، لكن ليس لأنهم عراقيون غرباء، بل لكونهم أشخاصا ارتكبوا مخالفات جسيمة يحاسب عليها القانون.
القانون لا يعرف جنسية ولا هوية، ولا يميز بين المتهمين على هكذا أسس. كل من يخالف القانون تنبغي معاقبته؛ أردنيا كان أم أجنبيا. فلماذا إذن التركيز على جنسية المعتدين وليس على جريمتهم؟
لقد ارتكب أردنيون جرائم مماثلة، لا بل أكثر بشاعة. يحدث هذا كل يوم. لكننا لم نشهد حملة تنديد كالتي شهدناها في حالة العراقيين الخمسة.
هل لأنهم عراقيون فقط؛ غرباء ولاجئون في بلادنا، يستحقون عقابا أشد كما طالب أحدهم؟
للأسف، هذا هو جوهر الحملة ضد الشبان الخمسة؛ فما هز ضمير المتحمسين ليس جريمة التحرش بحد ذاتها، والتي تسجل العشرات منها يوميا في الشارع، وإنما جنسية المعتدين، كأن التحرش حلال على الأردنيين وحرام على غيرهم، وهو في الحالتين جريمة نكراء تستدعي ملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم بأشد العقوبات.
تعكس حملة الكراهية ضد الشبان العراقيين، روحا عدائية تسري في أوساطنا وتكبر بحق اللاجئين "الغرباء"، يعززها الشعور بأن اللاجئين يسرقون خيراتنا، وينافسوننا على فرص العمل. إلى جانب انطباع سائد لا تسنده الأدلة، مفاده أن اللاجئين يعيشون حياة أفضل من المواطنين الأردنيين.
صحيح أن اللاجئ في الأردن وسواه من بلدان العالم لا يتمتع بنفس حقوق المواطنين السياسية والمدنية. لكن عندما يتعلق الأمر بارتكاب المخالفات والجرائم، فإن الجميع سواسية أمام القانون، لا تمييز بينهم حسب الجنس أو الهوية أو المعتقد.
لقد تحولت قضية الشبان الخمسة إلى حملة تحريض ضد العراقيين في الأردن. ويُخشى في مثل هذه الحالات أن يتطور الأمر إلى اعتداءات عشوائية على أشخاص لمجرد أنهم عراقيون.
يوميا، تطالعنا وسائل الإعلام بأخبار مخجلة عن جرائم يرتكبها أردنيون في دول الخليج التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون أردني. تخيلوا ماذا سيكون رد فعلنا لو أن نوابا ووسائل إعلام خليجية شنت حملة كراهية ضد إخوتنا هناك، على غرار الحملة الأخيرة ضد العراقيين؟
كنا لننتفض، ونطالب الحكومة بسرعة التدخل لحمايتهم.
قبل أن نترك العنان لغرائزنا، لنقف ونفكر بعقل بارد، ونضع أنفسنا مكان الآلاف من الإخوة العراقيين الذين يعيشون بيننا باحترام وأدب؛ أشقاء لا غرباء.