الرئيسية مقالات واراء
فلسطين – المربّع الثالث
الديانات
يرتل اليهودي كل صباح (شلت يميني إن نسيتك يا أورشليم) ذلك هو مفهوم القدس ارض الميعاد، الذي تغرسه المناهج التدريسية والدينيّة في المدارس الإسرائيليّة، والمعابد اليهودية في كل مكان، ويرضعه الأطفال اليهود مع حليب الصباح، وينمو ويكبر القسم معهم مهما كان مدى التزام والديهم وأسرتهم دينيّا.
لقد عاشت على ارض فلسطين اتباع كل الديانات السماوية، ومع انّ جميع الديانات السماويّة تدعوا الى التوحيد والوحدانية للرب مع إختلافات ليست بالعميقة، ولكنّها تعتبر احيانا محدّدة للعبادات والمعتقد، ومع ان أوّل هذه الديانات هي اليهوديّة، وكان نصيبهم الأكبر في عدد الرسل الذين أتوا لهدايتهم، إلاّ انهم عُرفوا بالغدر وقتل الأنبياء ومماطلتهم وكان تاريخهم الأكثر جدلا وعنفا .
وهذا المربع هو الأصعب لأنّه يتعلّق بالتاريخ والجغرافيا والمعتقدات، وهو اساس المشكلة على ارض فلسطين، ومنها ينبع النزاع واختلاف وجهات النظر، ومنها ينطلق الحقد ويستقرالخوف، وقد يبدوا على الأرض بشكل جليّْ، الخلاف اليهودي الإسلامي مع ان الديانة المسيحية كانت الوسيط بين الديانتين ولكن السياسة تقلب الحقائق .
وما احراق المسجد القبلي ومنبر نور الدين زنكي في المسجد الأقصى الذي تُصادف ذكراه السادسة والأربعين هذه الأيّام، إلاّ دليل على الحقد الديني الكامن عند بعض اليهود وخاصّة الصهاينة منهم. وليس لدى "مايكل روهان" الأسترالي المتصهين مرتكب الجريمة , ولا مجزرة الحرم الإبراهيمي قبل حوالي واحد وعشرون عاما والتي قام بها المجرم اليهودي "باروخ جولدشتاين" وهو مثال للمتطرفين اليهود وخاصّة الصهاينة منهم, إلاّ مثال آخر للتعصُّب الديني الأعمى , وهذان مثالان صارخان للحرب الدينية التي يشنها الصهاينة بضراوة ضد الفلسطينيين المسلمين والمقدسات الإسلامية، بوَهْم انّ لهم هيكلا يريدون إعادة بنائه من جديد .
جاء اليهود من جماعات مختلفة جمعت بينهم الديانة اليهودية، وذلك نتيجة اتحاد بين جماعات العابيرو (العبرانيون) التي نشطت في فلسطين وجماعة آتون الهاربين من الاضطهاد في مصر، وجماعة أخرى لها علاقة بالكشيين في العراق (وإلى الـكـوشـيـيـن يـنـسـب أنـقـى الأعـراب دمـا)، كما انّ الشخصيات الرئيسة لهذه الديانة ليست بالضرورة من نسل واحد أو من أصول يهودية، فقد يكون الأنبياء والرسل إبراهيم وموسى وإسحاق ويعقوب ويوسف وغيرهم من قبائل مختلفة، وإن الربط النسبي فيما بينهم تم من قبل كتبة التوراة، من أجل زيادة اللحمة بين الجماعة اليهودية، بعد أن مضى زمن طويل على اتحادها، وهو يتناغم مع طريقة اليهود في كتابة التاريخ وطرحه بما يتناسب مع وضعهم العام.
وقد اعتمد اليهود في تطوير عقيدتهم على موروث المنطقة الثقافي بعد أن صبغوه بالصبغة اليهودية، حيث تغيرت الأسماء وحرِّفت التفاصيل بما يتناغم مع المعتقد اليهودي، فأصبحت التوراة مصدرًا مهمًا من مصادر تاريخ المنطقة بعد أن كانت المصدر الرئيس لقرون خلت.
كما ساهمت الدول التي أسسها اليهود في فلسطين في زيادة تطور الديانة اليهودية، لأن هذه الديانة أصبحت ولأول مرة تحت رعاية سياسية بعد أن كانت تعد من الديانات المطاردة أو المحاربة من قبل مختلف الدول التي عاشت في كنفها.
تأسست الكنيسة المسيحية الأولى في القدس سنة 34 ميلادية، وأختير القديس يعقوب البار أسقفًا لها من قبل المسيحيين الأوائل وجلهم من اليهود المتنصرين. وتعرض المسيحيون إلى اضطهاد اليهود لهم منذ البداية، واشتدت حدة هذه الاضطهادات أثناء ثورة باركوخبا (شمعون باركوخبا الذي ادعى أنه هو المسيح ( التي أعلنها اليهود ضد الرومان والتي نجحوا من خلالها ولفترة قصيرة بالاستقلال عن روما.
انتهت الثورة باحتلال القدس على يد الإمبراطور هادريان سنة 134م وفقد اليهود خلالها أعداد كبيرة وغادر المسيحيون من أصل يهودي المدينة . وحتى عام 134م كان اليهود المتنصرين هم أصحاب الشأن في كنيسة القدس، بعد ذلك تغلب العنصر الأممي على رئاسة كنيسة القدس مع انتخاب الأسقف مرقس.
وسرعان ما تعرضت هذه الجماعة المسسيحية الأولى للإضطهاد مما إضطرها إلى التشتت في نواحي أخرى من فلسطين شمالًا وجنوبًا. فمن القدس توجه المسيحيون إلى السامرة في الشمال، حيث بشّر هناك "فيلبس" وذلك بحسب التقاليد المسيحية، والى الجنوب؛ غزة وقيصارية واللد ويافا حيث تحّول للمسيحيّة أول شخص من أصول وثنيّة وهو"كرنيليوس " الذي كان قائد مئة في الجيش الروماني (وقد كانت رتبة قائد المئة اعلى رتبة يرتقي اليها الجندي العادي).
تعرضت الكنيسة في فلسطين التاريخيّة للإضطهاد على يد الأباطرة الرومانيين، وكان أشدها إضطهادا "داقيوس وفاليروس". وأشد هذه الإضطهادات التي في عسقلان وقيصارية وغزة.
بعد تحوّل الإمبراطور قسطنطين إلى المسيحية في بداية القرن الرابع، انتهى رسميًا عصر الإضطهادات، مما فسح للكنيسة المسيحية المجال كي تنظم نفسها وتنتشر وتزداد نشاطًا تبشيريّا، فبنيت الكنائس الكبرى في الأماكن المقدسة بحسب العقيدة المسيحيّة، وذلك على يد الإمبراطورة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين، ومنها كنيسة القيامة سنة 335م، وجبل الزيتون، وجبل صهيون، وكنيسة المهد وغيرها، ممّا مهّد حركة الحج المسيحية للأماكن المقدسة الخاصة بها.
وقد برز في تلك الفترة"كيرلس الأورشليمي" الذي بقي أسقفًا على مدينة القدس لمدة 48 عامًا، وقد إزدهرت في زمانه الحياة الليتورجيّة (والليتورجيا هي الفرع من علم اللاهوت العملي) في الأماكن المسيحية المقدسة.
وقد انتعشت الحياة الدينية المسيحية في فلسطين. فقد اشترك في مجمع نيقية (الذي سمي بهذا الإسم نسبة الي مدينة نيقية التي عُقد فيها وهي العاصمة الثانية لولاية بيثينية وتقع في الشمال الغربي لآسيا الصغرى.) الذي عقد سنة325م ثمانية عشر أسققًا من فلسطين.
يمكن تقسيم الكنائس في الأراضي المقدسة إلى ثلاث فئات من منطلق تاريخي: الأولى هي الكنائس القديمة مثل كنائس الروم الأرثوذكس والكنائس الأرثوذكسية الشرقية كالسريان والأرمن والكنيسة المارونية، والثانية هي الكنائس التي تعود نشأتها إلى القرون الوسطى وما بعدها مثل الكنيسة اللاتينية وكنيسة الروم الكاثوليك، أما الثالثة فهي الكنائس التي تعود جذورها إلى الزمن المعاصر وهي الكنائس البروتستانتية.
تشير بعض التقديرات إلى أن أعداد الفلسطينيين المسيحيين تصل إلى خمسمائة ألف نسمة، لكن أكثر من ثلثيهم يقيم خارج الوطن، بينما بقي خمسون ألف مسيحي في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، موزعين بين الضفة الغربية التي يقطنها 47 ألفاً، وقطاع غزة الذي يقطنه 3 آلاف مسيحي .
وتعتبر الهجرة والتهجير إحدى الملمات التي أصابت مسيحيي جنوب بلاد الشام عمومًا، فعلى سبيل المثال في أعقاب حرب 1948 التي أفضت إلى إنشاء إسرائيل، مُسحت عن الوجود قرى مسيحية بأكلمها على يد العصابات الصهيونية وطرد أهلها أو قتلوا، وهكذا فإن كنائس اللد وبيسان وطبرية داخل إسرائيل حاليًا إما دمرت أو أغلقت بسبب عدم بقاء أي وجود لمسيحيين في هذه المناطق، يضاف إلى ذلك وضع خاص للقدس، فأغلبية القدس الغربية كانت من مسيحيين قامت العصابات الصهيونية بمسح أحيائها وتهجير سكانها وإنشاء أحياء سكنية يهودية فيها لتشكيل "القدس الغربية اليهودية"
قبل ظهور الإسلام في القرن السابع، كان قد حدث تمازج متصل بين المسيحيين في فلسطين والسكان العرب (الذين كان العديد منهم من المسيحيين أيضا) القاطنين إلى الجنوب والى الشرق من فلسطين. وكان المسلمين يتجهون إلى القدس كقبلة للصلاة، كما كانت حادثة الإسراء والمعراج التي تروي اسراء نبي الإسلام محمد بن عبدالله (ص) من مكة إلى القدس وعروجه منها إلى السماوات السبع.
بعد معركة أجنادين وانتصار المسلمين فيها بدأ المسلمون يسيطرون على اراضي فلسطين، وقد استولى العرب المسلمون على القدس من البيزنطيين سنة 637 م، أعرب الخليفة عمر بن الخطاب عن احترامه للمدينة بأن تقبل بنفسه استسلامها، وكتب لهم وثيقة أمان عرفت فيما بعد بـالعهدة العمرية، أعطاهم فيها أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، فمن خرج منها فهو آمن ومن أقام فيها فهو آمن، وشهد على ذلك خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص، ومعاوية ابن ابي سفيان.
وأمر الخليفة الأموي الخامس عبد الملك بن مروان ببناء مسجد قبة الصخرة فوق صخرة المعراج. ولا تزال حتى يومنا هذا رمزاً دينيّا ومعماريا للمدينة, ولكن عبد الملك توفي قبل أن يتم بناء المسجد الأقصى فأكمله من بعده ابنه الوليد بن عبد الملك.
وهكذا عاش اتباع الديانات الثلاث على هذه الأرض وكلُّ له تاريخ معروف عليها وما اصعب ان يختلط التاريخ بالجغرافيا وبالدين وإن اختلف الزمن وهنا يأتي دور كتبة التاريخ وإمكانات الدول وقوّة الحضارة وديمومة الإستبسال من اجل تثبيت الحقوق وإقناع الغير ومع اننا نعيش في زمان الغلبة فيه لبني صهيون ممن يستخدمون بدهاء كافّة اسلحتهم الدبلوماسيّة والماليّة والإقتصاديّة والجاسوسيّة والجنسيّة للإستيلاء على الأرض وطرد السكان وتغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي في المنطقة وما يترافق مع التوعية والتعليم لأطفالهم لغرس القسم (شلت يميني ان نسيتك يا اورشليم) فيكبر الشاب الإسرائيلي والقسم معشِّش في عقله والسلاح جاهز في يده والقبّعة التوراتيّة على رأسه وعلى الأرض خططهم شغّالة من حيث الحفريّات تحت ساحات المسجد الأقصى ومحاولات التقسيم الزماني والمكاني له مستمرّة والمواجهات مع المقدسيّين لا تنقطع والإعتداءات على المساجد والمصاحف في فلسطين تكاد ان تكون ممنهجة حسب خطّة موضوعة .
في المقابل هناك طرف فلسطيني ضعيف يعمل بعشوائيّة وردّات فعل غير مدروسة اهلكته الخيانة والعواينيّة يقبل بما يُملى عليه قصدا ام جهلا ام غباء يدرك عبثيّة التفاوض ويعود الى الطاولة مرارا مكسور الخاطر يدرك قوّة المفاوض الإسرائيلي ولا يستعدُّ له ابدا هو كالكرة يتقاذفه العرب مرّة واسرائيل تارة والأمريكان مرارا والإتحاد الأوروبّي حسب الطلب ومع هذا لا يتعلّم او يتِّعظ او يتعلّم دروسا مما يحصل وكذلك الدول العربيّة والإسلاميّة غارقة في همومها وباتت القضيّة الفلسطينيّة والأقصى خارج اولويّاتها وغير مبالية بالمواجهة مع اسرائيل من اجل ذلك .
اما اتباع الديانة المسيحيّة المسؤولين في الدول الغربية فقسم كبير منها يميل الى الفهم الإسرائيلي للمشكلة ويؤمن بان الحل الصهيوني هو الأنسب تحت مسمّيات حل الدولتين بحيث تكون الدولة الفلسطينية على ارض قطاع غزّة اللاتوراتيّة فقط والحكم الدولي للمنطقة المقدّسة في القدس الشريف اي يكون تحت حكم مشترك اسرائيلي أممي بحيث تُعطى فيه حريّة الأديان للجميع تحت شروط أمنيّة معيّنة وبوجود مراقبين دوليّين باستمرار لفك اي مشاحنات أوتعكير لصفو العابدين والمصلّين من مختلف الديانات والقسم الآخر من الدول الغربية غير معني بالحقوق الفلسطينية والعربية .
حمى الله الأقصى من غدر الصهاينة وأعاد الوطن السليب لأهله الأصليين.