الرئيسية مقالات واراء
السؤال الحاسم، في الأوساط السياسية والإعلامية، الذي من الصعوبة أن نجد إجابة دقيقة عنه، هو: فيما إذا كان التحرك المكثّف والسريع والهجومي من قبل رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، مرتبطاً باستقباله إشارات مشجّعة من مراكز القرار؛ مثلما حدث في سيناريوهات سابقة، عندما تحرّكت المجالس النيابية للإطاحة بحكومات بعد أن التقطت الإشارة ذاتها، بينما وجدت تلك الأغلبية الضوء الأحمر في مواجهة حكومات أخرى، ومن بينها حكومة د. عبدالله النسور نفسه، التي جرى حمايتها من قبل "السيستم" في أكثر من مرّة من أنياب النواب؟
في المقابل، تُرجّح أوساطٌ حكومية أنّ تحرّك الطراونة جاء لاعتبارات مرتبطة بانتخابات رئاسة المجلس مع الدورة العادية الجديدة. وربما ترى أوساط سياسية أخرى أنّ هناك اجتهاداً من الطراونة نفسه، الذي لمس لدى مراكز القرار عدم رضا عن الأداء الاقتصادي للحكومة، لكن ما يمنع أي تغيير هي الخشية من الدخول مرّة أخرى في دوّامة المشاورات النيابية المرهقة، التي ستستنزف الدولة والمجلس خلال الدورة العادية المقبلة.
بالضرورة، لا أملك جواباً عن هذا السؤال. لكن مثل هذه التطورات تثير، بطبيعتها، عصفاً فكرياً أعمق من مجرد النقاش الدائر حول الحكومة؛ فأي رئيس وزراء قادم، حتى لو تجنّب الخوض في مشاورات نيابية، كما حدث مع د. النسور، سيكون أمام امتحان الثقة النيابية ومداولاتها، ما سيستهلك جزءاً كبيراً من الدورة العادية المقبلة، التي من المفترض أن تكون مخصصة بصورة رئيسة لمناقشة التعديلات على قانون الانتخاب، ما قد يفتح المجال أو شهية النواب للمماطلة وكسب الوقت.
غني عن القول بأنّ رغبة الطراونة في أن يكون رئيساً للحكومة البرلمانية القادمة، بديلاً من النسور، لا تلقى قبولاً لدى أصحاب القرار. فهناك قناعة (وهي صحيحة الآن) بأنّ الوقت ما يزال مبكّراً على حكومة برلمانية من رحم المجلس الحالي، الذي لا تساعده بنيته على هذا التوجّه الذي قد يفجّر الكتل النيابية بدلاً من أن يؤدي إلى تماسكها!
المعضلة تكمن، أيضاً، في أنّ الحكومة القادمة قد لا تكون مستعدة تماماً لتبني التعديلات الحالية لقانون الانتخاب، أو ربما لن تكون متحمّسة لها تماماً، إلاّ إذا كان الرئيس (الجديد) ممن شاركوا في "المطبخ" الرسمي الذي توصّل إلى صيغة التعديلات الحالية!
السؤال الثاني، الذي تطرحه أوساط سياسية، يتمثّل في الأهداف الكامنة وراء تغيير الحكومة الآن، وما يرتبط بذلك من جلبة، وتحويلة عن التفكير الرسمي السابق المعلن "4/ 4" (أي أربعة أعوام للحكومة بعمر المجلس، من أجل الاستقرار السياسي والتشريعي والحكومي). فإذا كان الأمر مرتبطاً بعدم رضا عن أداء الحكومة في ملف دفع عجلة الاستثمار، فهل نتوقع أن حكومة جديدة ستكون قادرة على تحريك هذه العجلة، واجتراح حلول سحرية خلال الفترة القصيرة المقبلة من عمر المجلس، وهو تفكير غير منطقي -بطبيعة الحال-، أم أنّ الأفضل الانتظار إلى ما بعد الانتخابات، والالتزام بالبرنامج المعدّ سلفاً؟
فوق هذا وذاك، فإنّ السؤال الثالث المهم، هو ما إذا كان تصريح الطراونة حول المشاورات النيابية يحمل بعداً مستقبلياً؛ أي إنّه يعفي صانع القرار من الالتزام الأدبي الذاتي بأن يقوم الديوان الملكي بمشاورات نيابية مع الكتل النيابية لاختيار اسم رئيس وزراء، بخاصة أنّ التجربة السابقة لم تكن بالفعل مشجّعة، أم أنّ "التكتيك" الحالي مرتبط فقط بالتعامل مع سيناريو "رحيل حكومة النسور"؟