الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    كما جاء من الحكومة

    معظم التعديلات التي أدخلتها اللجنة النيابية المشتركة على مشروع قانون اللامركزية، رفضها النواب عند مناقشة وإقرار القانون تحت القبة.
    نفس الشيء حدث عند مناقشة قانون البلديات، ومن قبل قانون الأحزاب. اللجان النيابية تنهمك لأسابيع في مناقشة ومراجعة مشاريع القوانين، وتحت القبة تعود الأغلبية وتنحاز للقانون كما جاء من الحكومة.
    عززت التعديلات على النظام الداخلي لمجلس النواب من دور ومكانة اللجان، بحيث أصبحت المصفاة التشريعية للمجلس، والمحطة البديلة للتوافق بين الكتل النيابية على التعديلات المقترحة على القوانين. بمعنى آخر؛ اللجان هي مطبخ النواب التشريعي، وليس الجلسات تحت القبة.
    لكن هذا الدور أفرغ من مضمونه، وبدا من مناقشات القوانين الأخيرة أن اللجان مجرد هياكل شكلية؛ تنفخ وتطبخ، ولا تجد من يأكل من طبيخها تحت القبة. فالنواب، على ما يبدو، يفضلون أطباق الحكومة المعدة والجاهزة، كبديل يرضي كل الأذواق والكتل النيابية.
    ربما تكون صيغة التشريعات المقترحة من الحكومة أنسب من تلك التي اقترحتها اللجان، وهي كذلك في حالات عديدة. لكن الطريقة التي يتراجع فيها المجلس عن توصيات لجانه، لا تليق بمكانة النواب، وينبغي تداركها خارج القبة وليس تحت أضواء الكاميرات.
    "كما جاءت من الحكومة"، أصبحت هي الحل السحري عند التصويت على أي من مواد القانون. واللافت أحيانا أن النواب يعودون إليها حتى بعد تبني التعديلات المقترحة من لجانهم، فيستدركون بالتصويت مرة ثانية، لتفوز العبارة السحرية "كما جاء من الحكومة".
    والأغرب من ذلك كله أن أغلبية النواب الذين ينحازون إلى الصيغة "كما جاءت من الحكومة"، هم من المنادين برحيلها والغاضبين من رئيسها وفريقها. لكنهم وعندما يجد الجد، يرفعون أيديهم، مؤيدين مستسلمين لكل ما جاء من الحكومة.
    في مجلس الأعيان يبدو الوضع أفضل بعض الشيء؛ أعضاء المجلس عادة ما يحترمون توصيات زملائهم في اللجان، ويساندونها في التصويت. في مجلس النواب، يختلط الحابل بالنابل؛ أعضاء الكتلة الواحدة يصوتون في اتجاهات مختلفة، وكأن لا رابط بينهم باستثناءات قليلة جدا. وأحيانا، تخالف كتلة نيابية مقترحات لجان يقودها عضو من الكتلة، فتنكشف حالة المجلس على حقيقته؛ لا كتل متماسكة، ولا لجان تمثلها، وتحت القبة تتلاشى الكتل وتندثر اللجان، وتعود الحال إلى ما كانت عليه؛ مجلس بـ150 رأيا.
    ربما يكون هذا الوضع هو الذي يدفع بالبعض إلى القول إن مجلس النواب الحالي قد حمل أكثر من طاقته وإمكاناته، عندما أوكلت له مهمة تسمية رئيس الوزراء كتوصية غير ملزمة للملك. وكان من بين أعضائه من شعر بثقل الحمل مبكرا، ودعا إلى التحلل من هذه المسؤولية، وإعادة الأمانة إلى صاحبها مع الشكر الجزيل.
    وهذه مناسبة أو تجربة تستحق من صناع القرار التأمل فيها وهم على مشارف طرح مشروع قانون جديد للانتخاب، لتعلّم أخطاء التجربة، والتفكير بصيغة انتخابية تغير قواعد اللعبة السائدة، بما يسمح بولادة مجلس نواب أعلى سوية وأفضل جودة، وأكثر استجابة لمقتضيات الإصلاح.
    لكن القانون على أهميته، ليس سوى أداة لا قيمة لها إذا لم يتواكب مع تغيير في الذهنية السياسية السائدة في أوساط النخبة.





    [26-08-2015 01:11 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع