الرئيسية مقالات واراء
إنّ ما يحدث في لبنان البلد العربي الجميل الرومانسي أثار شجون الكثير من العرب الذين لم يروا في لبنان يوما إلاّ الجمال والرقّة في التعامل والكلام والطعام ولم يخطر ببال احد ان مقتل ذلك الجمال في نفاياته وان اتهام المسؤولين في الرائحة العفنة للفساد المستشري في المسؤولين عن السياسة والأحزاب .
لبنان ومنذ اربعين عاما لم يهدأ له بال وبقي وكأنّه على صفيح ساخن منذ عمليّة الفردان وهو في حروب باردة حينا وساخنة احيانا حتى جاء اتفاق الطائف وابقى على المحاصصة المزمنة في نظام الحكم ومنذ ذلك الحين تم اغتيال رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء ورؤساء احزاب وشيوخ وعناصر من الأجهزة الأمنيّة وهرب الكثير من السياسيّين وعاشوا خارج لبنان ناهيك عن حوادث التفجيرات التي اودت بحياة الكثيرين من الأبرياء .
ومن الناحية الماليّة فقد نزلت قيمة الليرة اللبنانيّة الى الحضيض وارتفعت الأسعار الى عنان السماء وبات الدولار الأمريكي العملة المتداولة بين الناس والتجّار كما ان المديونيّة لها وضع خطير حيث يحتل لبنان المرتبة الرابعة عالميا من حيث حجم الدين العام من الناتج الوطني الإجمالي والتي بلغت نسبة خطيرة للغاية بحيث وصلت إلى أكثر من 134%، وقيمة الدين العام ( خارجي ومحلي) وصلت إلى 63 مليار دولار، بلغت مديونية الدولة اللبنانية كما في آخر شهر أيلول من العام الماضي 66 مليار دولار أميركي، أي ما يقارب 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدَّر , وتتوزّع هذه المديونية بين العملات الأجنبية بمعدّل 39% أي ما قيمته 26 ملياراً، وبين الليرات اللبنانية بمعدَّل %61 أي ما قيمته 40 مليار دولار.
وتُبيِّن المعطيات التي تنشرها السلطات المالية والنقدية حول حاملي الدين العام أن المصارف اللبنانية تحمل في المجمل 57% من مديونية الدولة، أي ما يزيد عن 37.5 مليار دولار .
والأنكى من ذلك ان الفساد استشرى بين المسؤولين في مختلف القطاعات ممّا يحمِّل المواطن اللبناني مزيدا من الأعباء التي تثقل كاهله بعد السنين الطويلة من الهيمنة السوريّة على الحياة اللبنانيّة .
لقد كان لبنان وما زال يمثّل في كثير من الأحيان بلدا ديموقرطيّا وبلدا مقاوما للعدوان وبلدا تسوده المناظر الجميلة والإحساس بروح الضيافة والسياحة المريحة بالنسبة للبلاد العربيّة الأخرى .
وكما كان للجواسيس والعملاء دورا في السابق لمحاولة خراب البلد في الماضي فقد يكون لبعض المندسّين يد في إثارة الفوضى في المظاهرات الإحتجاجيّة العفويّة في ساحة رياض الصلح مؤخّرا ولكن وعي الشباب اللبناني المنظمين لحملة طلعت ريحتكم الذين يعبرون عن نفسهم على الشكل التالي: "كي لا تقتلنا نفاياتهم ومصالحهم الطائفية، لن نكون وقوداً لسمسراتهم، لكل الفاسدين نقول طلعت ريحتكم". لن يسمحوا لهؤلاء المندسين ان يحرفوا المظاهرات السلميّة عن مسارها وسيستمرّوا بمطالباتهم حتّى يحاسبوا الفاسدين ويبعدوهم عن صناعة القرار اللبناني الحر ويلغوا المحاصصة الطائفيّة بما يعود على لبنان الأجمل والمواطنين بالخير والرفاه ويندثر الفاسدون مع اكوام النفايات في المطامر والمحارق الى غير رجعة بإذن الله .
وسيكون اللبنانيّون درسا لكل العرب الصامتين على الفاسدين والظالمين حيث سيفتح هؤلاء الكاظمين الغيظ عيونهم وأنوفهم ويطردون الزكام منها ليشتمّوا رائحة فساد الفاسدين وسوء اعمالهم ويقولون لهم كفى اتركونا نعيش بشرف ونظافة فنحن اعتبرناكم نفاية طلعت ريحتها منذ زمن طويل ولكن كانت انوفنا مزكِّمة ولكن بما ان بلد العطور والجمال لبست الكمّامات وكذلك فعل ابناء بلاد الرافدين فلتّتعظوا ايها الفاسدون في العالم العربي وعودوا لرشدكم واطعموا ابنائكم مالا حلالا ولا تكتبوا عليهم الهوان واكل المال الحرام فقد كفاكم فسادا وفجورا وكفانا مقتا وصبرا عليكم ليحاسبكم الله والأجيال القادمة على ما فعلتم .
وبغض النظر عن تقييم تظاهرة "طلعت ريحكتم" وأبعادها ونتائجها أو مستوى تعاطي القوى الأمنية معها او اختراق المظاهرة من قبل مندسين لتحريف التظاهرة عن أهدافها بعد فشل الحكومة العتيدة في حل أبسط ملفات المواطنين أي ملف النفايات ومارافقه من روائح فساد ومحاصصة سياسية نتنة، فان أبرز ما رسمه المشهد العام لهذا الحدث يدل على ان لبنان مازال يتمتع بحماية المظلة الدولية وليس هناك من قرار بتفجير وضعه، والدليل على ذلك اصرار الجميع على ضبط النفس وعلى المحافظة على الحكومة .
كما ان اي خروج متهور من قبل أحد طرفي النزاع الداخلي الرئيسين عن قواعد اللعبة في الوقت الراهن ، سيدخل لبنان في نفق مخيف يحمل سناريوهات متعددة قد يكون احداها تشكيل حكومة انتقالية وربما عسكرية تمهد لما هو اسوء لا سمح الله .