الرئيسية مقالات واراء
تتصاعد هذه الأيّام حملات الهجرة غير الشرعيّة (كما يسمِّيها الأروبيّون) للاجئين معظمهم عرب ومسلمون من سوريا وليبيا واليمن والعراق وباكستان وإفغانستان وغيرها هروبا من الأوضاع الصعبة وخوفا على حياتهم ومستقبل ابنائهم في البلدان التي يعيشون فيها .
هم خائفون على انفسهم وعائلاتهم واطفالهم من الموت قتلا ام إعداما ام نحرا ام تحت الردم وخلافه من اشكال الموت في حالات الحروب والإرهاب ويذهبون للموت غرقا ام حرقا ام جوعا ام عطشا قبل او عند الوصول لعتبة النجاة .
وأمام تفاقم معاناة اللاجئين وخاصّة السوريين المنتشرين في دول الجوار اثر تراجع المساعدات المقدمة لهم، ارتفعت وتيرة المغامرين منهم بالهجرة غير الشرعية إلى اوروبا، رغم المخاطر الداهمة التي تحدق بهم خلال هذا النوع من الرحلات.
وتقول الامم المتحدة ان عدد اللاجئين السوريين تخطى اربعة ملايين يعيش معظمهم في دول جوار سورية في فقر ويحلم بعضهم بالاستقرار في اوروبا بعد فقدان الامل بعودة سريعة إلى الوطن.
ووصل إلى اوروبا خلال سبعة أشهر (حتى تموز) نحو 340 الف مهاجر اغلبهم من السوريين في اسوأ ازمة هجرة تواجه القارة منذ الحرب العالمية الثانية فيما هلك منهم الفين وخمسمائة في عرض البحر , بينما وصل أوروبا العام الماضي مائتين وتسع عشر الف مهاجر هلك منهم ثلاثة الآف وخمسمائة مهاجر في اليحر الأبيض المتوسط الذي بات يُسمّى بحر الموت.
والواقع ان "الهجرة مخاطرة لكن البعض لم يعد لديه القدرة على الاحتمال خصوصا مع تجاهل العالم معاناة اللاجئين ونقص المساعدات الانسانية، فماذا ينتظرون منهم ان يموتوا بصمت؟ بالطبع السوري امام خيارين العودة والموت في بلده او الهجرة".
ولهجرة اللاجئين ثلاث محاور أولها اللاجئ نفسه مع عوامل الخوف والرغبة والقدرة الماليّة والمحور الثاني هو السمسار او المهرِّب الذي يأخذ على عاتقه تهريب اللاجئ وإستئجار المركب او السفينة وفي العادة لا يتحمل المهرِّب اي مخاطر تحدق بالمهاجرين من غرق او موت او مخالفة للبلاد الذين يحطون بها , والمحور الثالث هو دول المهجر الأوروبيّة وخاصة المانيا والنمسا واليونان وايطاليا ودول أوروبيّة اخرى حيث تجري دول الإتحاد الأروبي حاليا مشاورات فيما بينها لوضع اسس لإستقبال المهاجرين وتوزيع الحمل على جميع دول الإتحاد من حيث الإيواء والكلفة المالية والخدمات الإجتماعيّة .
وتدور شكوك لدى البعض من الدول والمسؤولين ان هناك أياد خفيّة لها مصالح في تعقيد هذا الملف وتشجيع وحماية المهرِّبين وما ينتج عن ذلك من تداعيات وسلبيّات مما دعى الأمم المتحدة الطلب من دول الإتحاد الأوروبي الى تأمين قنوات او ممرات آمنة للمهاجرين اللاجئين الى أوروبا ومعاملتهم معاملة إنسانيّة.
وقد عُقد اجتماع استثنائي مزدوج لوزراء خارجية و داخلية الاتحاد الاوروبي في دوقية اللوكسمبورغ و بحث بشكل خاص في مأساة المهاجرين غير الشرعيين الذين يهربون الى الشواطىء الاوروبية عبر البحر الابيض المتوسط , كما اتخذ الوزراء بعض التدابير العاجلة التي من بينها مضاعفة ميزانية عملية تريتون (طائرة بدون طيار صممت للمراقبة البحرية الواسعة) للمراقبة البحرية في البحر الابيض المتوسط. و كان اعلان قد صدر عن وزراء الداخلية و الخارجية في الاتحاد الاوروبي عبّر عن ارادة دولهم بالتصدي الفوري لكل من يهرِّب اللاجئين الى شواطئ الاتحاد الاوروبي, كما تم الإعلان عن قرار بانشاء قوة ضاربة لردع مهربي المهاجرين, وهذه القوة تبدأ مهمتها حالا.
أمّا في هنغاريا يواصل المهاجرون التدفق من صربيا إلى المجر العضو في الإتحاد الأوروبي,وقد أكدت الشرطة المجرية أن معظم المهاجرين من سوريا وافغانستان وباكستان وأن عددهم تجاوز الثلاثة آلاف مهاجر غير شرعي ما يعتبر قياسيا, وهي تواجه تدفقا غير مسبوق للمهاجرين، وقد وصل إليها أكثر من 140 ألفا منذ بداية السنة الجارية أي أكثر من ضعف اللاجئين الذين قدموا طوال العام 2014.
وهكذا يواجه اللاجئون حربا وارهابا في وطنهم ويوجه من ينجوا منهم إجرائات قمعية في بلد اللجوء الأوروبي فأين تُراهم يذهبون فالموت ينتظرهم أنّى يتوجّهون .
الهجرة غير الشرعية، دراما تتكرر مراراً، إستغلال للبؤس والفوضى، إنها لتجارة مربحة، تعتبر ليبيا واحدة من نقاط التحول إن لم تكن المحور الرئيسي لهذه التجارة.
التجاريصعّدون من نشاطهم بإطراد، فضلاً عن حالات الموت. المزيد من سوء المعاملة بحق المهاجرين يبرز كل يوم. يخاطرون بحياتهم، هاهم يتهافتون يوماً بعد آخر محاولين تجاوز هذا المعبر باتجاه أوروبا، ماضين في جميع الطرق و الوسائل الممكنة. معرضين للابتزاز أثناء ومابعد الرحلة هذا إذا لم يتم اغتصابهم أو التخلي عنهم، مرغمين على دفع مبالغ باهظة وقد وجدت الشرطة النمساوي عشرات الجثث في شاحنة كما وُجدت جثث اخرى مختنقة في حاوية بالميناء وغير ذلك من حوادث مأساويّة , إن هذه “التجارة” تدر المليارات على التجار وتعزز الفساد والجريمة المنظمة في كل من بلد المغادَرة والعبور والوصول.
“إن النقطة الأساسية ليست بالحد من هذه المراكب بل الحد من التجارة العالمية لهؤلاء المهربين”.
حيث يبلغ المبلغ الذي يجمعه المهربون سنوياً حوالي 135 مليون يورو. ويتراوح المبلغ لكل راكب بين 1800 و 10000 يورو , وفي كاليه (ميناء فرنسي ) وحدها صافي المبلغ وصل إلى مليون ونصف المليون يورو. وهذا يعني من أجل قارب يحوي 500 شخص، يجني المهرب مابين 500000 والمليون يورو.
وإن كان بعض المهربين هواة، وهم أنفسهم يستفيدون من نظام لا يملكون منه شيئا، فالطابع المهني يطغى على هذه التجارة شيئاً فشيئاً، وتتحول إلى تجارة منظمة كتجارة المخدرات.
إن إلقاء القبض على المهربين يضعهم في مأزق إلا أن تفكيك شبكاتهم أمر معقد.
وتجّار الحروب هم المستفيدون دوما حتّى لو كان على حساب الأبرياء الملهوفين وغالبا ما يكون هؤلاء المهرِّبين وتجّار الحروب من المتنفِّذين والفاسدين اصحاب الجاه والقوّة ولهم شركاء ذي قوّة في مختلف البلدان .
ولنا ان نتسائل من السبب في إغراق المئات بل الالآف من اللاجئين في بحر الموت هل هو النظام الحاكم في الوطن الأم ام هل هم الإرهابيون الذين اشعلوا النيران التي لا تنطفئ في الوطن ام هل هي الدول الخارجيّة التي تساعد النظام والإرهابيّين خدمة لمصالحها واهدافها وتزوِّدهم بالمال والسلاح والمقاتلين ام هل قلّة الوعي لدى اللاجئين وشدّة خوفهم من الموت وتمسكهم بالحياة ام هي تلك الحكومات في بلاد الإيواء والدول الأوروبيّة على شواطئ البحر الأبيض المتوسِّط أم هم المهرِّبين والسماسرة وتجّار الحروب أم يا تُرى كل اولئك شركاء في الجريمة لجعلها جريمة مستدامة ومنظّمة لفترات طويلة .