الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ما يرى وما لا يرى

    أخرجت من حقيبتها القماشية صورة لتريني فتاة ذات جمال باهر اعتقدت انها اختها او قريبة لها، فقالت وعيونها مسمرة بالصورة "هذه انا" فتفاجأت، فشلني الموقف للحظات فلم أجد ما أقوله لها فشعرت باحتجاج يتصاعد في قلبي: "لماذا؟.
    هي سيدة عراقية جار عليها الزمن ونزحت الى الاردن فعاشت في كنف احدى الكنائس في منطقة فقيرة ببيت صغير تدفع اجاره من صدقات المحسنين، تمضي ايامها وهي تتألم وتتحسر على الماضي كيف كان والحاضر كيف أصبح، فلم يكتفي الزمن من النيل حتى داهمها المرض وكان الخبيث من نصيبها.
    بوجودها في الاردن تمتعت بالعلاج المجاني، علاج يهتم بالجسد ولكن الاهم هو علاج النفس المجروحة والمتروكة فلا أحد يسأل عنها أو يساعدها في قضاء حاجتها او يطعمها ولا حتى يواسيها ويتكلم معها وأنا لا أنقص من قدر المستشفى الذي يضمها تحت أجنحته ولكن أحيانا قساوة الزمن أهون من قساوة البشر لبعضهم البعض.
    أحيانا يكون ما يرى عظيم وجميل والكل يصفق له، لكن هناك ما لا يرى من ينوب عنه ويرعاه ويواسيه ؟.
    ما يُرى في محاضر الاجتماعات واجندة المؤتمرات واللقاءات والمبادرات لهو جليل ومشهود له، لكن هناك ما لايرى على سرير المرض، او مراكز الاحتياجات الخاصة، وفي دور الايتام والمسنين والملاجىء وفي البيوت المتواضعة وعلى قارعة الطريق .
    أننا لا نعلم كم سنعيش وكيف سنعيش سنوات عمرنا اهي بالصحة او المرض؟ أفي بلادنا ام نازحين مغتربين في بلاد العالم الواسع ؟.
    كيف يمكننا البقاء معزولين مشتتون من قبل الناس ومن قبل ما يدور حولنا، كيف يمكننا ان نجعل قلوبنا ترتاح وتختبر حضور الله.
    أننا نصبح بالفعل أقرباء عندما نريد ان نجتاز الطريق لنصل الى الاخرين، عندما نمد الجسور و نكون اماكن امنة للآخر، أن نكون أحرارا من دينونة المحيطين في هذا العالم الواسع، أن نلتقي في الضعف ونهدم الجدران العازلة التي تفصلنا، وان نكون اكثر عمقا ومحبة للاخرين.
    براءتنا وعفويتنا الخالصة من دون أجندات خاصة هي التي تصنع الاماكن الامنة، عندما يصبح ما لا يرى، يرى بوضوح جلي ومرئي بلا مجاهر للاخرين.





    [31-08-2015 01:04 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع