الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لا تلقيه في اليمّ

    تحت السراج،على شفتيه بقايا حلوى، وفي عينيه جرتان من عسل الغفوة ، يبتسم للحلم أن أضحكه ،ويبكي من غير دمع أن أوجعه ،لا يعرف العدّ للغد..ولا يعرف كم يبعد الوطن عن أصابع اليد...
    تحت السراج..مسحت الأم جبينه المتعرّق، ثم همست موشوشة: يا صغيري أن فرعوننا أقسم ألا يدع طفلاً الا ويقتله ولا بالغاً الا ويودعه السجنَ،هم لا يريدونك أن تبقى حياً كي لا تكون لهم «عدوّاً وحزناً»..سنسري بك بقطع من الليل - يا بني - فلا بد من الفرار...أعرف أنك لست معنياً بتفاصيل القرار، لكنه بوحي الأخير للغزال النائم تحت جفنيك ..قبل أن يداهمه النهار!!...
    تخيّل يا صغيري؛ يخافون من «الرمش» ان يهدد «العرش»!!..تخيّل أن العصا التي تضعها بين ساقيك حصاناً ..تفزع الدبابة!! ..تخيّل أن دميتك القطنية مقلوعة العينين تسمى إرهابا... و حذاؤك الصغير يرعب بسطاراً ويهدد سمساراً ويطارد عصابة ..غداً في الصباح سنلملم أشياءنا ونرحل..سنمشي على البحر بأقدامنا كما فعل النبي المُرسل ...لمَ تبتسم الا تصدقني ؟؟..سيغرق فرعون وجنوده من بعدنا... أما نحن فلن نبتلّ..
    ***
    لا تصدقني يا صغيري ... انت تعرف أنك لست نبياً ولا أنا من الناسكات.. علينا الا ننتظر في زمن الانكسار المعجزات، أنا لا أملك مهداً كأم موسى، أضعك فيه ثم ألقيك في بحر الله الى الله..كما أن البحر أصبح طاعناً في السفن وحرس الحدود ...البحر لم يعد رومانسياً كما كان يحمل الرّضّع بين موجتيه ويهديهم للحياة والخلود ..أنا لست أم موسى ولا املك قلبها المطمئن...لذا لن أتركك لليمّ وحْدك..سأكون وطنك المائج فيك وحَدّك...
    ***
    النوارس عادة ما تلحق المراكب لتحظى بــ»بغشيش» المسافرين، فتات الخبز المُحلّى ، قشر البرتقال ، كسر الكعك..تطوف حولهم تصفّق لهم ، تسلّيهم ،تحاول ان تصرف أنظارهم عن البحر كي لا يصيبهم الدوار..ثم تكسب أجراً متواضعاً من فضلات الطعام.. فوق قارب الموت حامت النوارس كما تفعل كل صباح ..المهاجرون جياع،ولا يتقنون النظر للأعلى ... حاولت الطيور أن تسقط عليهم بعض الطعام المسروق من السفن الكبيرة ، لكنها فشلت..حاولت ان تقول لهم أن الموج مرتفع وقاربكم جداً صغير..ان لم تخافوا على أنفسكم فخافوا على هذا الصغير..لكنها فشلت... فسماسرة البحور لا تعنيهم كثيراً ثرثرات الطيور...
    ***
    على الشاطئ أوصلته الموجة الأخيرة وسحبت يديها من تحته وعادت...على الشاطىء تسجّى كرسالة في زجاجة ، قصيرة وواضحة لكنها ردّت إلى صاحبها وعادت ...على الشاطىء كان يرتدي ثياباً تشبه ألوان العلم حمراء وسوداء وبيضاء...على الشاطئ كان الموج يتعمّد من طهر وجهه علّه يشفى من برص الحروب وخرس الوطن ..على الشاطىء غطّت النوارس جثته لتتلو عليه حديث البحر والزمن..على الشاطيء مات»ايلان « وماتت كل دُماه غرقى من غير جنازة او كفن...على الشاطئ يلتقط بعض السيارة طفلاً ما زال على أهبة السفر ؛ بحذائه الصغير وقميصه الأحمر القصير ..يا لهذا البحر الأبيض المتوسط كم صرت أسوداَ ومتطرفاً..فكلما قلنا وطنا من البحر إلى البحر...أهدونا خنجراً يجزّ الخريطة من النحر الى النحر...
    وعلى الشاطىء تلقي عادة الأشياء المهملة... شباك صيادين أصابها العطب ،طوافات الخشب، خواتم «العشاق» لحظة الغضب، قوارب الصيد القديمة..وأطفال العرب...





    [06-09-2015 02:27 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع