الرئيسية مقالات واراء
مرّت قصة التحكيم السويسري -في موضوع البيع المزعوم والباطل لأسهم مؤسسة الضمان الاجتماعي في بنك الإسكان لشركة قطرية- على الإعلام والرأي العام الأردني وأغلبية كتّاب الأعمدة مرور الكرام، بالرغم من أنّ قرار لجنة التحكيم كان انتصاراً قانونياً وسياسياً ورمزياً مهماً، وإنجازاً كبيراً تحقق!
من المهم أن نقف عند ما حدث، ولا نقفز عنه، لأنّ الأشهر الطويلة التي أخذتها القضية في أروقة المحاكم الدولية كانت لدى أغلب المواطنين أياماً عادية، بينما كانت كل دقيقة منها ثقيلة تماماً على رجل شريف محترم، هو د. ياسر العدوان، وعلى عائلته الصغيرة، لأنّ القضية من أولها إلى آخرها كانت قائمة على التشكيك بنزاهته وشرفه ومصداقيته، وكانت سمعة "الدولة" -ورصيدها السياسي والشعبي والرمزي- معلقة هي الأخرى على مصداقية ونزاهة هذا الرجل.
تخيّلوا معي لو كان قرار التحكيم عكس ذلك، لا سمح الله! لأحدث كارثة وطنية محقّقة على صعيد سمعة الدولة ومصداقيتها، وهي التي ما تزال تحاول التعافي من تهمة الفساد التي ألحقت بها خلال الأعوام الماضية، ولطغت "فوبيا" المال العام وهيمنت على المزاج الاجتماعي، طالما أنّنا نتحدث عن أموال "الضمان"، وبما كان سيؤدي إلى انهيار آخر نوعي في علاقة المواطن بالدولة. فالكل كان معلّقاً بنزاهة د. العدوان، رئيس الوحدة الاستثمارية الأسبق في "الضمان"، وثباته على موقفه ومصداقيته، ولذلك جاء الانتصار لسمعته بمثابة انتصار للدولة وسمعتها ومصداقيتها واحترام المواطنين لها.
بهذا الحجم من الأهمية والاهتمام كان من المفترض أن نتعامل، إعلامياً وسياسياً وشعبياً، مع قرار التحكيم السويسري ببطلان دعوى الشركة القطرية بشراء أسهم بنك الإسكان. وبهذا المستوى اللائق كان يجب أن يتم تكريم العدوان وتقديره، بعدما تعرّض لحملة ظالمة قاسية خلال الأعوام الماضية، وتشكيك محزن، ليس من الشركة القطرية فقط، بل من فريق من السياسيين والنواب والإعلاميين الذين انحازوا إلى رواية الطرف الآخر!
صحيح أنّ الوحدة الاستثمارية في "الضمان" عملت بدرجة عالية جداً من الحرفية والمؤسسية، وكان هناك فريق يعمل في الظل يدير المواجهة الخطرة مع الشركة القطرية في التحكيم الدولي، وهو أمر يسجّل أيضاً لطريقة عمل "الوحدة"، وللحكومة التي التزمت هي الأخرى بقرار "الوحدة الاستثمارية" وتركت لها إدارة الأمور القانونية والإعلامية. إلاّ أنّ هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا كلمة سرّ وحيدة وهي "رجل شريف" اسمه ياسر العدوان!
لماذا التركيز على ثيمة الرجل الشريف؟ أولاً، لإنصافه إزاء أمانته ونزاهته. وثانياً، للإشارة للأهمية الكبيرة لوجود مسؤولين شرفاء نزيهين مؤتمنين على أموال الدولة والمواطنين وعلى المسؤولية؛ فمثل هؤلاء هم العمود الفقري للاستقرار السياسي ولشرعية النظام المبنية على ثقة المواطنين. وثالثاً، لأنّه -أي ياسر العدوان- تعرّض لظلم شديد وضغوط كبيرة، وتشكيك، فكان من المفترض أن يكون قرار التحكيم احتفاءً به.
أذكر تماماً أنّني تلقيت منذ ساعات الصباح الأولى العديد من الاتصالات تعليقاً على مقال لي أنحاز فيه إلى د. العدوان، عندما تم تسريب خبر القضية. بعض هذه الاتصالات من مسؤولين كبار وسياسيين، وبعضها من إعلاميين، يقولون لي جميعاً: "استعجلتم في "الغد"، فهناك مؤشرات أخرى". ونلنا -في "الغد"- لوماً كبيراً وهجوماً إعلامياً من قبل البعض، فقط لأنّنا راهنّا على نزاهة مسؤول أردني!
لم يأتِ الرهان على د. ياسر العدوان من فراغ؛ فالرجل كما يشهد من عملوا معه سابقاً، وكانوا يخبروننا حينها، كان يصمد ببطولة وعناد أمام كل الضغوط لحماية أموال "الضمان". وبالرغم من كل ما تعرّض له سابقاً، فما حدث انتصار له ولكل أردني شريف، ودرس تاريخي مهم للآخرين!