الرئيسية مقالات واراء
ألّف كاتب فرنسي كتابا بعنوان مُتعة القراءة، لكنه أفرد منه فَصلا دافع فيه عن حق الانسان في أن لا يقرأ وبدت لي تلك المفارقة عسيرة على الهضم لكن ما ان قرأت ما كتبه ميشيل فوكو وهادي العلوي وما ترجمه الشاعر الراحل ممدوح عدوان عن تاريخ التعذيب في الغرب والشرق حتى احسست بأن ما قاله الكاتب الفرنسي ليس بعيدا عن الحقيقة، فهناك كتب اشبه بالافلام المرعبة التي يعاني مَنْ يشاهدها ما يقضّْ مضجعه من الكوابيس . فما من اسلوب في تعذيب الانسان الا جرّب في التاريخ، وان كان تعذيب المسيو دميان كما وصفه ميشيل فوكو يفوق الخيال، ليس فقط بسبب السادية والتلذذ بالامه، بل لأن الحرص على بقائه حيّا كان من شروط التعذيب، فالموت او حتى الغيبوبة في هذا الحال رفاهية غير مسموح بها للضحية . بالطبع لا استطيع تقديم عيّنات من ذلك التعذيب فهو بالرغم من بدائية ادواته يبدو خارج وفوق اي احتمال آدمي، لكن التحديث الذي نكتب عنه بانحياز وحماس شمل الفقر، فالفقر بمعناه التقليدي ليس هو الفقر الان لهذا يحتاج الى اعادة تعريف، فمن لا يملك اليوم سيارة حديثة وهاتفا ذكيا ومنزلا مزودا بكل اسباب الراحة يعتبر فقيرا او يعتبر نفسه كذلك، وان كان الفقر درجات بدءا من الفقر العادي حتى الفقر المدقع واخيرا فقر المعدمين . تحديث التعذيب وادواته وتسخير منجزات التكنولوجيا لهذا الهدف الشرير تبرره نظرية العلم من اجل العلم فقط، وهي نظرية تحذف من العلم بُعدُه الاخلاقي وبالتالي تبرر القتل والتسميم وكل اشكال التعذيب . مفارقة التعذيب في كل العصور هي حرص من يمارسه على بقاء ضحيته على قيد الحياة وبالتالي على قيد الألم، لهذا تمنع من الانتحار لأن الموت بالنسبة اليه خلاص وانعتاق وحرية . ان ما ارتكب من جرائم باسم الحداثة لا يقلّ عن الجرائم التي اقترفت باسم الحرية !