الرئيسية مقالات واراء
بعد التحذيرات التي أطلقها الملك عبدالله الثاني من عواقب الاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى على العلاقات الأردنية الإسرائيلية، كان سؤال اليوم التالي (أمس)، والذي شهد تصعيدا في الاعتداءات، يتمحور حول "الإجراءات" المتوقعة من طرف الأردن للرد على هذا التصعيد المستمر.
عندما قام مستوطنون باقتحامات متكررة للمسجد الأقصى العام الماضي، استدعى الأردن سفيره في تل أبيب، ولم يوافق على عودته، مطلع شباط (فبراير) الماضي، إلا بعد أن تلقى وعودا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمحافظة على الوضع القائم في القدس، واحترام الوصاية الأردنية على المقدسات. حينها حضر نتنياهو إلى عمان، وقدم هذه التعهدات "الشفهية" للملك بحضور شاهد أميركي، هو وزير الخارجية جون كيري.
في الأروقة، قال مسؤول حكومي رفيع المستوى يومها إن الرد الأردني على أي انتهاك جديد بحق المقدسات في القدس، سيتجاوز أي خطوة سابقة، ويعني استدعاء السفير الأردني في إسرائيل. وذهب مسؤول آخر إلى حد التهديد بتعليق معاهدة السلام في حال تعرض المسجد الأقصى لتهديدات جسيمة.
حدود الرد الأردني إذن مفتوحة على حزمة من الخيارات الدبلوماسية؛ الطلب من السفيرة الإسرائيلية التي قدمت أوراق اعتمادها منذ أيام المغادرة، إلى جانب سلسلة من الإجراءات، وصولا إلى الورقة الأخطر، وهي المعاهدة.
ماذا تبقى أكثر من ذلك؟ لا شيء تقريبا، هذا إذا أضفنا إلى القائمة تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي، لا تغير شيئا في مسار الأحداث. وربما، أيضا، الضغط على الإدارة الأميركية للجم إسرائيل.
إسرائيل من جانبها ستبقى تناور لتجنب أزمة سياسية مع الأردن، من دون تغيير جوهري في خططها الرامية إلى تقسيم الحرم القدسي. بمعنى آخر؛ خفض حدة التوتر، وتغيير الوضع القائم المتفق عليه مع الأردن، لكن بشكل تدريجي.
السلوك الإسرائيلي المراوغ، خلال الأشهر الماضية، كان يوحي بأن إسرائيل تمضي في هذا الاتجاه. ففي الوقت نفسه الذي كانت تسمح للفلسطينيين بحرية الدخول لأداء الصلوات في المسجد الأقصى، وتستجيب لطلبات الأردن بزيادة عدد الحراس المدنيين، مضت في خطط التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي.
إنه في الواقع سلوك خبيث، يظهر للعالم أن إجراءات إسرائيل في الأماكن المقدسة تتم بغطاء "الوصاية" الأردنية.
ينبغي على الأردن كسر هذه الحلقة بشكل حاسم، كي لا يوضع في دائرة الاتهام. وما أكثر الأطراف العربية والفلسطينية التي تستعجل تحميل الأردن المسؤولية!
إذا كانت إسرائيل جادة فعليا في احترام الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، فيتعين عليها الاتفاق مع الأردن على تفاهم تفصيلي ومكتوب يترجم نصوص المعاهدة بشأن المقدسات، بما يضمن المحافظة على الوضع القائم بالمعنى الحرفي، ومنح الأردن دورا أوسع في رعاية المقدسات وصيانتها.
عربيا، صار لزاما على الأردن توضيح موقفه من أن الوصاية الأردنية على المقدسات لا تعفي العرب من مسؤولياتهم تجاه القدس والمسجد الأقصى. المعركة أكبر من قدرة الأردن على خوضها منفردا. ثمة خطوات كثيرة يمكن للدول العربية، خاصة الغنية منها، اتخاذها؛ تؤلم إسرائيل ومن يدعمها في الغرب.