الرئيسية مقالات واراء
كتبت المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، كلاماً جميلاً عن أخلاق الشهيد الوكيل خالد أحمد بني مفرج، من مرتبات الأمن الجنائي، والذي استشهد قبل أيامٍ قليلة، بالتزامن مع استشهاد زميله العريف محمد عطا السلايمة من مرتبات مكافحة المخدرات، الذي ارتقى في الجنوب خلال مواجهة مع تجار مخدرات.
وكان خالد مع أحد الضباط قد شكّا في سلوك أحد الأشخاص في حيّ بجبل عمان، وأرادا التحقق منه، فما كان من المشتبه إلاّ أن عاجلهما برصاصات غادرة أدت إلى استشهاد خالد وإصابة زميله الضابط الآخر.
نشر موقع "جو24" آخر رسالة كتبها خالد على تطبيق "واتس آب"، وتنمّ عن إيمانه العميق بالله وإدراكه للمخاطر التي تحيط بمهمته ومهنته اليوم: "اللهم إني أستودعك زوجتي وأولادي وأهلي، فاجعلهم في حفظك"!
وكان الشيخ محمد سعيد حوى قد ذكر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنّ الشهيد خالد أتى إليه في المسجد، قبل أيام من استشهاده، وسأله عن بعض النصائح الدينية، فأعطاه بعض الأدعية اليومية المأثورة.
ومن أجمل ما سمعته عن الشهيد خالد، قصة حدثت بينه وبين صيدلاني (رواها على إذاعة الجامعة الأردنية). إذ ذهب الأخير إلى البحث الجنائي مبلّغاً عن حادثة سرقة لصيدليته، فانتقل معه خالد إلى موقع الحدث. وبعد أن أنهى الشهيد الإجراءات الفنية المطلوبة منه، أصرّ عليه الصيدلاني لتقديم شراب، فاعتذر لأنّه صائم في هذه الأيام الفضيلة. ثم أعطاه الشهيد خالد رقم هاتفه وطلب من الصيدلاني في حال احتاج إلى أي مساعدة من البحث الجنائي أن يتصل به. وقال الصيدلاني إنّه أعجب كثيراً بأخلاقه الجميلة، قبل أن يتفاجأ بعد أيام بخبر وفاته. وقد اتصل بالمركز الأمني المعني فتأكّد من الخبر!
هذه الأخبار والقصص الجميلة عن السيرة العطرة للشهيد خالد في حياته وبعد مماته، هي عبرة ونموذج مهمان؛ فحتى إن كانت شخصية مرتبطة بإيمانه وأخلاقه، إلا أنّها تعكس الأهمية الكبيرة لمسألة القيم والأخلاق والمعاملة الجيدة التي تعكس صورة رائعة وجميلة عن موظّفي الدولة ورجال الأمن، وعن صورة الدولة نفسها وعلاقتها بالمواطنين والرأي العام الأردني والخارجي.
بالتأكيد خالد ليس أنموذجاً فريداً بين رجال الأمن العام والجيش، وشريحة واسعة من الموظفين العامين في الدولة. لكنّ الشهيد أنموذج مهم، يشير ما سمعناه عنه بعد فترة قصيرة جداً من ارتقاء روحه، إلى هذا التأثير السحري الكبير لمثل هذا السلوك الحضاري الراقي مع الآخرين، وأهميته على صورة الدولة ورجالها.
هي الصورة نفسها التي نراها في صورٍ أخرى للجيش العربي الأردني على الحدود الشمالية لم يتنبه إليها كثير من الناس، حتى رأوا بأعينهم تعامل بعض الدول الأوروبية مع اللاجئين السوريين؛ كيف يستقبل الجنود الأردنيون الجرحى السوريين القادمين عبر الحدود، وكيف يحملون الأطفال ويطمئنونهم. وفي حالات معينة، دخلت دوريات عسكرية أردنية إلى الحدود السورية لإنقاذ عائلة هاربة من قصف جيش الأسد، فغامر الجنود بحياتهم لإنقاذ حياة مواطنين عرب آخرين!
هي صور رائعة جميلة عن هذا الوطن، تستحق التوقف عندها كثيراً. فخالد أنموذج لرجل الأمن الأردني البطل الشجاع، وجنودنا على الحدود أنموذج لصورة الجيش العربي. وهم جميعاً يقدمون الإجابة لمن يتساءلون عن سرّ النموذج الأردني في الاستقرار مقارنة بالجوار؛ فقط قارنوا بين سلوك الجيش والأمن هناك وهنا، عندها لن تبقى هناك أسرار!