الرئيسية مقالات واراء
ليس واضحاً بعد ما إذا كان هناك دعم وإسناد غير معلنين للمقترح الذي قدّمه بعض الأعيان الأفاضل بتعديل قانون ضريبة الدخل الحالي، بخاصة وأنّ أصحاب المقترح من الخبراء الاقتصاديين المعروفين؛ أم أنه اجتهاد شخصي، وتمريره عبر مجلس النواب أمر في غاية الصعوبة!
أيّا كان مصير هذه المقترحات المطروحة، فإنّها تعكس في جوهرها فكراً تؤمن به نخبة اقتصادية وسياسية على السواء، بتوسيع قاعدة ضريبة الدخل، أسوة بالدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية. كما تعكس -أي هذه المقترحات- فلسفة طبقية مغرقة في حالة الإنكار لمستوى التدهور في الوضع الاقتصادي للشريحة الواسعة من المواطنين من جهة، وللوضع الخطير المهدد بالانزلاق الكامل لما تبقى من الطبقة الوسطى إلى الأسفل!
أبرز ما في تلك المقترحات هو تخفيض سقف الإعفاءات للعائلة من 24 ألف دينار إلى 12 ألف دينار فقط سنوياً، أي الأسرة التي يصل راتبها إلى ألف دينار شهرياً تقريباً. ورفع نسبة الضريبة على الأفراد من 20 % إلى 35 %.
معنى ذلك أنّ "الطبقة الوسطى" (بشرائحها الدنيا والعليا) هي المستهدفة بهذا الإجراء؛ فما دون هذا الدخل الشهري، هي بلا شك طبقات فقيرة وكادحة، ولن تتأذى مباشرةً. وبطبيعة الحال، فإن الطبقة الغنية خارج أيّ من هذه الضغوط، بينما الطبقة الوسطى بفئاتها المختلفة هي التي لسان حالها يردد أغنية عبدالحليم حافظ "إني أتنفس تحت الماء.. إنّي أغرق.. أغرق"!
المقترحات المطروحة تقوم على فرضيات مغلوطة تماماً، وقياس مع الفارق لمعايير الضريبة بين الأردن والغرب، بدعوى أنّ دفع الضريبة يعزز من مفهوم المواطنة وقيمها. إذ غاب عن معدّي المقترح أنّ هذا المبدأ الصحيح يحتاج إلى شروط وجذور وتربة خصبة، وإلاّ فإنّ نتائجه ستكون عكسية. فقبل ذلك، تتحقق المواطنة بتطبيق الدستور والقانون وفق مبدأ المساواة على الجميع، واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة، وتأمين الخدمات الأساسية بصورة جيدة، وفي مقدمتها التعليم والصحة والنقل العام والمرافق العامة.
اليوم، أكثر ما يثقل كاهل الطبقة الوسطى هو التعليم، سواء في مرحلته المدرسية أو الجامعية. وإذا كان لدى السادة الأعيان رأي مغاير لذلك، أو حتى لدى الحكومة، فليخبرونا في أيّ مدارس وجامعات يدرس أبناؤهم، مقارنةً بأغلب المسؤولين الغربيين والأميركيين!
لا أبالغ إن قلت إن قرابة ثلث دخل الطبقة الوسطى يذهب للفواتير الثابتة، أو سداد القروض المرتبطة بالسكن والتعليم والطاقة. وهي أمور يفترض أن تكون أساسية وميسّرة للجميع، كما هي حال أغلب الدول الغربية التي يريد أصحاب المبادرة استنساخ مفهوم ضريبة الدخل لديها وتطبيقه هنا، من دون النظر أيضاً إلى الميزان الضريبي الأعوج في البلاد، إذ تستنزف ضريبة المبيعات جزءاً كبيراً من القدرة الشرائية لدى أغلب المواطنين!
مع ذلك، أؤيد هذه التعديلات بقوة، على أن تكون هناك سلّة من الإعفاءات المتكاملة، تبدأ من قرض السكن وصولاً إلى كلفة التعليم وفواتيره في المدارس الخاصة والجامعات الحكومية أو الإيجارات المنزلية، أو حتى الفواتير المرتفعة الخاصة بالطاقة!
ما نزال نراهق ونتخبّط في تقرير الفلسفة التي من المفترض أن تحكم تصميم الميزان الضريبي في الأردن، والذي من المفترض، بدوره، أن يعكس فهمنا للاقتصاد والمجتمع والسياسة. فالحكومة التي تقرّ قانون الضريبة وتقاتل من أجل ذلك، هي نفسها التي تنتقده وتسعى إلى تغييره، والمسؤولون والخبراء كلّ يغنّي على ليلاه. وهذا وذاك يعكسان فقراً مدقعاً في التفاهمات الوطنية حول القضايا الأساسية!