الرئيسية مقالات واراء
لعل العرب، وهم الآن في قمة كارثتهم القومية، هم احوج الناس إلى الوقوف أمام مناسبة ربع قرن على عودة الألمان إلى وحدتهم، وعلى بناء أحدث وأبدع ديمقراطية شهدها التاريخ.
فالمساكين في الجزء الشرقي من ألمانيا عاشوا منذ عام 1930، تحت نير النازية.. وتبعها بعد الحرب نير الشيوعية، لكنهم الآن يعيشون في مجتمع حر ومزدهر.. ومنهم رئيس الجمهورية، ومنهم المستشارة، وعاصمتهم برلين هي العاصمة الاتحادية.
نقول لعل العرب يستوعبون التاريخ الحديث الألماني، رغم كارثتهم القومية، فقد استطاع ويلي براندت، وكان نائب المستشار وزير الخارجية، أن يخرق الجدار بزيارته «لألمانيا الديمقراطية» ودعوته الى: امة واحدة في دولتين، وتعيينه مبعوثاً لم يسمه السفير.. ولكنه كان سفير الوحدة. فبرندت اوجد جديداً في سياسات الحرب الباردة اسمه «الاوست بوليتيك» ارغم فيها الروس والأميركيين على قبول ترتيبات تتجاوز حلف الأطلسي وحلف وارسو، وجعل من ألمانيا وحدة خاصة تم فيها إلغاء «هولشتاين دوكترين» الذي يعاقب كل دولة تعترف بألمانيا الديمقراطية. وفتح باب: نمشي ونتحدث!! اساسه عدم الوقوف والتفاوض في اجواء تقبل أو لا تفاوض.
لقد كان ستالين، رغم شيطنة صورته في الغرب، ذكيا وحصيفا حين قبل بوحدة ألمانيا على اساس حيادها وعدم دخولها في الأطلسي. ورفض ايديناور هذا العرض لان ألمانيا كانت ضعيفة، ولانها لم ترسخ صورتها التي ارادها لها في أوروبا. فحروب المانيا امتدت من حرب 1871 بين بروسيا وفرنسا حتى عام 1945.
لقد اثبت الألمان ان الأُمم الحية قادرة على النهوض برغم دمار الحرب، ورغم الاحتلال، ورغم التجزئة. واثبتوا انهم قادرون على اقامة ديمقراطية اتحادية متقدمة الى ابعد الحدود، قائمة على التسامح، واستيعاب اللاجئين، ورفض مبدأ الصراعات المسلحة. ولعل احدا لم يتنبه الى ما كان اعلنه كرستيان وولف رئيس الجمهورية عام 2010 ان: الاسلام صار جزءا من المانيا.
والحقيقة انه لم يكن شيء يمنع العرب من اقامة الوحدة طيلة نصف القرن الماضي.. ويمنع التوجه الجاد الى الديمقراطية وفهم المعادلة الصارخة: لا وحدة دون ديمقراطية. فالديكتاتوريون هم اكثر الناس صياحا: الوحدة الوحدة. لكن الديكتاتور بطبيعته يرفض الاخر الا اذا كان تابعا له.
لو ان العرب، حتى بديمقراطياتهم العرجاء، قبلوا لدى تأسيس الجامعة العربية مبدأ: نمشي ونتفاوض ونفّذوا السوق العربية المشتركة، التي سبقت السوق الاوروبية المشتركة. ومناهج الدراسة، وقبول مشروع الامة الواحدة في عشرين دولة. كما وضعه سعدون حمادي عام 1980 في عمان امام القمة الاقتصادية العربية. لما كنا الان في حالة الحرب الداخلية المهلكة. ولما تدخل كل من هبّ ودبّ في تقرير مصيرنا.