الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    عمان حزينة

    حزينة على عمان أجمل المدن؛ حزينة على أُمّنا التي آذاها المطر، لأنها لم تعد تحتمل بكل جبروتها "شتوة" نصف ساعة!
    حزينة على أهلها الذين غرقوا في أنفاقها، وعلى أطفالها الذين فقدوا متعة الشتاء، حين صاروا ضحايا لمطره، بعجز أمهم عن حمايتهم.
    حزينة على أجمل العواصم التي صارت أنفاقها بركا تُغرق أبناءها، كما صارت شوارعها بركا أيضا تبتلع عابريها الذين آلمهم حال مدينتهم.
    نصف ساعة من المطر الكثيف كانت كفيلة بإغراق أمنا وأبنائها؛ كانت كفيلة بإزهاق أربع أرواح فيها، مع كثير من الخسائر.
    كسيدة عجوز بدت عمان صبيحة يوم الخميس الماضي؛ أنهكها التعب وعقوق الأبناء الذين أهملوها حد العجز.
    مكسورة؛ هكذا رأيتُ عمان، عاصمتنا الحبيبة، بعد أن عرّت أقل من ساعة من المطر عيوبها وأوجاعها، وكشفت عورتها.
    خجلت من عمان، كما يلزم أن يشعر كل أبناء المدينة، رجالا ونساء؛ بعد أن جعلوها ضحية لسوء تخطيط على مدى سنوات طويلة، لدرجة يبدو معها الحل مستعصياً والعلاج مكلفاً! خجلت منها، لأننا بإهمالنا لها جعلناها عاجزة عن حماية أولادها الذين تشردوا أو يكادون بعد أن دمرت منازلهم.
    واقع عمان اليوم على عكس ما شدت ديانا كرزون في أغنيتها الأجمل "أول شتوة في عمان"، قائلة: "واحنا كبرنا يا عمان... كيفك إنتي ما كبرتي... وقف عندك الزمان ولا بعزك وقفتي... بعدك حنونة يا دار عالوفا ما تغيرتي... كل ما الشتا أرضك زار بأول شتوة تخلدتي... بعدك حلوة يا عمان...".
    فبخلاف ما يقول الشاعر عمر ساري في كلمات الأغنية تلك، يبدو أن عمان كبرت وضعفت، حتى لم تعد تقدر على مواجهة ولو شتوة واحدة، ولتنتهي مع ذلك رومانسية فكرة أول شتوة في عمان، وأنها تدعونا للاستمتاع.
    صباح الخميس الماضي، كانت عمان حزينة على حالها وعجزها. فعمان لم ترخ جدائلها ألقا، وإنما غرقا! بعد أن عجزت عن مواجهة أول شتوة، وبعد أن ابتلعت مياهها أرواحا بريئة.
    ففجيعة الأب بطفليه اللذين قضيا بمياه عمان، وهو الذي غادر وطنه مصر مغتربا، إنما لتحضنه عمان، لا تقل عن فجيعتنا بمدينتنا ككل، والتي استيقظنا فوجدناها بركه؛ لكنها غارقة في الفوضى والتقصير، أكثر من غرقها بالمياه.
    لكل من أخطأ بحق عمان وجرحها، بقصد أو من دون قصد، أقول: اطلبوا المغفرة، وإن كان ذنبكم لا يغتفر؛ وجسوركم وأنفاقكم بمواصفاتها الكارثية، ومعها شوارعكم العاجزة، خطيئة، تشوه كما النُدبة وجه عمان.
    أقول إن عمان اليوم تبكي وتستغيث وتندب واقعها. وأضيف أن الوفاء لعمان يستدعي صحوة كل الضمائر، علّ ذلك يداوي بعض جراحها، وعله يعيد لها بعض شبابها وألقها.
    عمان بعد ما بلغته من سوء حال، تحتاج كل أبنائها ليقفوا إلى جانبها، ويطببوا أوجاعها، وأن يراجعوا ما فات، أملاً في أن ينقذوا مدينتهم، كما أملاً في استحقاق العفو والمغفرة ولو بعد حين.
    تبقى عمان جميلة رغم الحزن والتعب الباديين على محياها، ورغم الفوضى التي تعصف بها مع كل ثلجة وشتوة. ويبقى أن لا سبيل ولا خيار إلا العمل على استعادتها وانتشالها، فالسكوت عن هذه الفضائح لم يعد مقبولا.





    [07-11-2015 12:59 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع