الرئيسية أحداث منوعة
أحداث اليوم -
خطأ في التشخيص أودى بحياة الأب، وخطأ آخر في التشخيص أيضا يضع حياة الابن الطفل على كف رحمن، فلم تجد الأرملة إلا عرض ابنها للبيع حتى لا تصبح ثكلى أيضا، في قصة تجسد بعد أكثر من عقدين من الزمن المشهد الساخر في مسرحية “كاسك ياوطن” السورية، حين باع “غوار الطوشة” أبناءه.
آنذاك وصف الجمهور والنقاد نهاية المسرحية بالقاسية والسوداوية، دون أن يتوقعوا أن هذا السواد سيحدث يوما ما في فلسطين، فقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقضية الطفل قاسم سامي العيسى من جنين، بعد أن أدى تشخيص طبي خاطئ لتردي حالته الصحية بشكل كبير، دون أن يجد أي تغطية لعلاجه.
هناء أحمد العيسى والدة الطفل فقدت زوجها عام 2011 بعد تشخيص خاطئ، كانت حينها حاملا بطفلها قاسم الذي ولد بعد وفاة والده بأشهر، ثم عاش حياته بشكل طبيعي حتى بلغ عامين ونصف، قبل أن تتراجع حالته الصحية بشكل تدريجي منذ 7/أيار الماضي.
وتقول هناء، إنها أخذت طفلها إلى إلى مستشفى بجنين بعد ارتفاع حرارته، فتم تشخيص حالته على أنها التهاب في اللوز، وبعد أن حصل على جرعة دواء واحدة من دواء الالتهاب، أقبل على شرب المياه بكميات كبيرة دون أن يتبول، حتى انتفخ جسده وتحديدا أطرافه في اليوم التالي.
وتوضح هناء، أنها نقلت طفلها لإجراء فحوصات طبية أخرى، فتبين أن ابنها يعاني من ارتفاع في الكوليسترول والدهنيات ومشاكل في الدم والكلى والضغط، وتم تشخيص حالته على أنه مصاب بمرض الزلال، ويجب نقله إلى المستشفى فورا، وهذا ماحدث بالفعل.
10 أيام قضاها قاسم في المستشفى حصل خلالها على جرعات من “الكورتيزون”، غير أن جسده لم يستجب للدواء بل ازدادت حالته سوءا، وخلال ذلك كان خضع الدواء لفحوصات مختلفة بتكلفة مئات الشواكل، قبل أن يتم إبلاغ الأم بأن طفلها لا يستجيب للعلاج ويحتاج لخزعة.
اتصلت أم قاسم بمستشفى المطلع في القدس المحتلة بحثا عن حل لحالة طفلها المستعصية، وتحدد الموعد بتاريخ 28/تموز الماضي، لكن قبل أقل يومين على الموعد تدهورت حالة قاسم، ونقلته والدته إلى قسم الأطفال في مستشفى بجنين، لكن محاولات تزويده بالدواء من خلال إبرة في اليد باءت بالفشل.
وتقول أم قاسم، أن ابنها نقل فجرا إلى مستشفى العفولة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، حيث صدم الأطباء من سوء وضعه الصحي وجددوا محاولة علاجه بالكورتيزون دون جدوى، ليتبين بأن قاسم وصل مرحلة الفشل الكلوي، فتمت مخاطبة السلطة بأنه كان ينبغي تحويل للعلاج منذ فترة طويلة.
بقي قاسم في مستشفى العفولة أسبوعين دون أن يستجيب للعلاج، حتى وصلت المياه إلى قلبه، فتم تحويله لمستشفى “نهاريا” حيث أجريت له فور وصوله عملية غسيل للكلى، ثم أدخل إلى العناية المكثفة لـ 25 يوما وضع خلالها في جسده ثلاث أنابيب متصلة بمصادر تزوده بثمانية أنواع من الأدوية أحدها كيماوي.
وتبين أم قاسم، أنها طلبت نقل طفلها إلى مستشفى العفولة مجددا، لأن وجودها هناك يسهل عليها متابعة شؤون بقية أبنائها، ولدى عودتها أبلغتها إدارة المستشفى بضرورة تأمين تكاليف علاج قاسم من وزارة الصحة الفلسطينية.
وتضيف، أنها وبعد مناشدات عديدة حصلت على تحويلة لمستشفى العفولة بما يكفل الحصول على الدواء لمرة واحدة فقط، وبعد وقت قصير طلبت إدارة المستشفى من الأم وابنها المغادرة لعدم وصول كتاب بتغطية كافة تكاليف العلاج، لينتهي الأمر بتحويلها إلى مستشفى في نابلس ورفض تحويلها إلى العفولة.
وتابعت، “وصلنا مستشفى (…) في نابلس بتاريخ 12/أيلول فأخبرت الطبيب المناوب بأن ابني يعاني من مرض في الكلى، فأجاب سائلا، ما الذي قرصه حتى انتفخ جسده بهذا الشكل؟!”.
بعد ثلاثة أيام في المستشفى، صعقت الأم بنبأ إصابة ابنها بالتهاب شديد في البنكرياس وغشاء البطن، قالت للأطباء “يكفي ما حصل لوالده”، وأخرجت ابنها من المستشفى مناشدة تحويله إلى مستشفى العفولة لتلقي العلاج الذي يحتاجه، قبل أن يفارق الحياة، لكنها لم تجد أي استجابة.
احتضنت الأم ابنها وتمكنت من الدخول به إلى الأراضي المحتلة عام 1948 من خلال التقارير الطبية التي تؤكد صعوبة حالته، وتلقيه العلاج في مستشفيات إسرائيلية سابقة، لكن الطبيب الذي أشرف على حالته سابقا قام بتحويل قاسم إلى مستشفى “رمبم” فورا، ليقضي الطفل 25 يوما أخرى من العلاج هناك.
وتقول أم قاسم، أن ابنها تلقى خلال هذه الفترة عدة جلسات علاج كيماوي، وأخضع لعمليتي غسيل كلى، وكان يحصل على جرعتين خفيفتين من دواء مرض الزلال يوميا، حتى طرأ تحسن طفيف على حالته وأصبح قادرا على تناول وجبة طعام يوميا.
وتضيف، أن الأطباء الإسرائيليين وصفوا لقاسم 12 صنفا من الأدوية أهمها لا يتوفر ثلاثة منها لدى وزارة الصحة، كما أوصوا بضرورة العودة أسبوعيا لإجراء فحص “السيكلوسبوريم” الذي تظهر نتيجته في المستشفيات الإسرائيلية بعد ساعات، فيما تحتاج لأسبوعين حتى تتلقى نتائجها لو أجريت في المستشفيات الفلسطينية، حيث يتم إرسال العينة لمستشفى المطلع بالقدس المحتلة.
ولم تدم الفرحة المحدودة بالتحسن الطفيف طويلا، فقد رفض مستشفى “رمبم” استقبال قاسم مجددا، بعد أن رفضت وزارة الصحة منح الطفل التغطية المطلوبة لتكاليف العلاج، حيث تتمسك الوزارة بتحويل قاسم إلى مستشفى (..) في نابلس، وترفض تحويلها لأي مستشفى إسرائيلي.
وأدى هذا التعنت إلى تدهور حالة قاسم الصحية، نتيجة عدم وجود بعض الأدوية في وزارة الصحة، ووجود نقطة دم متجمدة في أحد الأنابيب التي كان يتلقى العلاج منها، وفي حال وصول هذه النقطة إلى القلب فإن قاسم سيفقد حياته.
وتوضح أم قاسم، أن وزن طفلها وصل إلى 19 كيلو غراما بسبب الانتفاخات والمياه في جسمه، كما أن تأخير تقديم العلاج له سيجعله بحاجة ماسة لعملية زراعة كلى، وهو ما دفع الأم للإعلان عن الإجراء الأخير قبل فقدان طفلها، بالإعلان عن بيع شقيقه، محاولة بذلك تحريك ضمائر المسؤولين في وزارة الصحة أو بقية الجهات الرسمية، أو هز قلوب أهل الخير لإنقاذ حياة طفلها الأول قبل أن يتحول المقترح الحزين ببيع طفلها الآخر إلى حقيقة.
تجدر الإشارة إلى أن تحويل المرضى للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية أو الأردنية أحيانا يتم في حال عدم توفر العلاج للمريض في الأراضي الفلسطينية، وبتكاليف كاملة يفترض أن تدفعها وزارة الصحة الفلسطينية كما جرت العادة، وذلك بناء على الحالة، وهو ما ثبت في حالة الطفل قاسم طوال الأشهر الماضية.