الرئيسية أحداث منوعة
أحداث اليوم -
ألسنة لهب تتصاعد بصورة مخيفة من داخل النوافذ، تتخللها صرخات استغاثة... مشهد كان في غاية القسوة بحيث لا يقوى أي شخص على احتماله وهو يشاهد أطفالاً يلقون بأنفسهم من الطابق الثامن في محاولة للنجاة من كرات الجمر التي التصقت بأجسادهم، لينتهي الموقف بخمس ضحايا راحوا جميعاً في محرقة صنعها رجل انتُزعت الرحمة من قلبه.
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلاً، والشارع يسيطر عليه الهدوء في منطقة مدينة السلام شرقي القاهرة، عندما تصاعدت ألسنة اللهب من داخل شقة في الطابق الثامن، ليتحول الشارع إلى خلية نحل بفضل هؤلاء الذين قدموا لمد يد العون لأبرياء أطلقوا صرخات الاستغاثة، لكنهم وقفوا جميعاً حائرين، بعدما عجزوا عن فعل أي شيء.
محاولة يائسة:
دخان كثيف يحيط بالضحايا، وفي محاولة يائسة للهرب من الموت، فوجئ الأهالي بامرأة تلقي بنفسها من الشرفة وسط ألسنة اللهب التي أمسكت بها، لترتطم بالأرض وتصاب بكسور في أنحاء جسدها وتنزف دماء، ويتكرر الموقف مع طفلتين هربتا من الموت في الأعلى، لكنه كان في انتظارهما في الأسفل.
صفارات سيارات الإطفاء يتردد صداها في الأرجاء... لقد وصلت متأخرة لإخماد النيران المستعرة التي التهمت كل شيء، وأحرقت ألسنتها جسد امرأة في شقتها، وخنقت أدخنتها التي ما زالت منتشرة في المكان طفلتين بريئتين... في مشاهد يصعب وصفها، لكنها مأساة حقيقية تعجز الكلمات عن تجسيدها، في جريمة بشعة كادت تقيّد ضد مجهول، لكن القدر أرسل من شاهد هذا المجهول وهو يحاول الهرب من فعلته الشنعاء.
بلاغ استغاثة:
بدأت الأحداث ببلاغ تلقاه رجال الحماية المدنية في القاهرة من فادي علي، 28 سنة، محام، التمس فيه مساعدته في إنقاذ ثلاث من شقيقاته وأربع فتيات هن بنات إحداهن، بعدما حاصرتهن النيران في مسكن الأسرة الكائن في الطابق الثامن.
هبّ رجال الإطفاء للسيطرة على الموقف، لكن قبل وصولهم كانت امرأة وطفلتان قد قفزن من جحيم النيران، فماتت الطفلتان وتهشمت عظام المرأة، ليتم نقلها إلى المستشفى وهي في حالة خطيرة تصارع الموت.
سلّم هيدروليكي تم مدّه للوصول إلى موقع الحريق، بعدما تحولت الشقة إلى كتلة من الجمر وغطت الأدخنة درج المبنى. وبعد جهود مضنية أمكن السيطرة على ألسنة اللهب وإخمادها وإنقاذ امرأتين ما زالتا على قيد الحياة.
نيران مستعرة:
كارثة في الداخل كانت في انتظار رجال الإطفاء، حيث عثروا على ثلاث جثث لامرأة متفحمة وطفلتين اختنقتا من الأدخنة المنبعثة من النيران المستعرة التي التهمت غرفة المعيشة وصالة الاستقبال في المنزل.
الضحايا هن: عزة علي، 38 سنة، ربة منزل، والتي عثر على جثتها متفحمة بجوار طفلتيها رحمة، (عامان)، ورضا (8 سنوات)، بخلاف طفلتيها اللتين قفزتا من الشرفة، وهما نور (12 سنة)، وإيمان (10 سنوات)، في حين نجت من الموت شقيقتاها: سارة (29 سنة) وسماح (34 سنة)، بخلاف صديقتها سمر يوسف (30 سنة)، التي أصيبت بكسور إثر سقوطها من أعلى حيث تصادف وجودها مع اندلاع الحريق.
ورغم أن الواقعة كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، بعدما غيّب الموت امرأة وبناتها الأربع في محرقة جماعية، لكن كان لزاماً على الناجيات سرد تفاصيل ما حدث، لتفيد أقوالهن بأنه حال جلوسهن في غرفة المعيشة وجدن ألسنة اللهب تمتد بشكل مفاجئ وتحاصرهن داخل الغرفة من دون معرفة سببٍ لذلك.
حريق متعمد:
تقرير المعمل الجنائي جاء ليؤكد أن الحريق اندلع بفعل فاعل، بعدما عثر على آثار بنزين تم استخدامه في إضرام النيران في منزل الضحايا، ليبدأ رجال المباحث في جمع المعلومات في محاولة للوصول إلى الجاني.
وقبل أن يرهق رجال الشرطة أنفسهم في حصر علاقات أصحاب المسكن، وما قد يرقى منها الى حد ارتكاب الجريمة، جاءت كلمات سائق يقطن في الطابق الخامس في العقار الذي اندلع فيه الحريق لتكشف حقيقة هذا الوغد الذي أحدث هذه المحرقة.
قال علي سعيد، 31 سنة، سائق، إنه شاهد طليق الضحية ووالد الفتيات الأربع يخرج من العقار بالتزامن مع اندلاع الحريق، في وقت أكدت الناجيات أنه لم يحضر إليهن أبداً، الأمر الذي كشف تورطه بالحادث، وهو ما أكده خال الضحية الأولى، حيث أشار إلى أنه فور سقوط الطفلتين ووفاتهما، اتصل به لإبلاغه بالأمر، ففوجئ به يرد عليه: «عقبال الباقي».
الجاني:
إجراءات اتخذها رجال الشرطة، تمثلت في استصدار إذن من النيابة بضبط واحضار المتهم مظلوم إبراهيم، 45 سنة، جزار، لاتهامه بقتل مطلقته وبناته الأربع بإضرام النيران فيهن، وبعد محاصرته بالأدلة جاءت اعترافاته لتشير إلى شريكه الذي ساعده في ارتكاب الجريمة، أحمد سيد، 41 سنة، ليتم ضبطه هو الآخر.
اعترافات الأب القاتل جاءت صادمة، فلم يبدِ ندمه على ما فعل، بل تحسّر على عدم وجود حماته ضمن الضحايا، حيث ارتكب جريمته للانتقام منها بعدما تسببت في انفصاله عن زوجته وإصرارها على عدم عودتها اليه مرة ثانية.
قال الجاني إنه انفصل عن زوجته في شهر أيلول/سبتمبر الماضي بعد خلافات زوجية كان سببها والدة مطلقته، التي تزوجت خمس مرات وانتهت جميعها بالطلاق، واتخذت قرارها بأن يكون لبناتها المصير نفسه، حيث ظلت تلح على ابنتها حتى طُلقت منه، وكانت قد سبقتها شقيقتاها اللتان كانتا برفقتها وقت وقوع الحادث.
وأضاف أنه حاول أكثر من مرة العودة الى أم بناته، لكنه في كل مرة كان يتصل بها، كانت حماته تغلق الهاتف في وجهه، بعدما تُسمعه وصلة من أفظع الشتائم التي أقلّها أنه ليس رجلاً، وأنها لن تسمح بعودة ابنتها اليه أبداً.
قرار الانتقام:
إزاء تلك الإهانات المستمرة، اصطحب المتهم بناته الأربع، حيث كن يقمن معه عقب انفصاله عن والدتهن، وذهبن إليها ليسكنّ عندها في محاولة منهن للضغط عليها بالعودة إليه، لكن سرعان ما احتدم النقاش بينهما وتحول إلى مشاجرة بفعل حماته التي حرّضت ابنتها عليه وقامت بطرده من المنزل.
جبروت هذه المرأة دفع الجزار الى التفكير في الانتقام، حيث اختمرت في ذهنه بمساعدة المتهم الثاني فكرة إحراقها للخلاص منها، وفي سبيل ذلك اشترى قنينة بنزين وتوجه إلى المنزل، ودخل المصعد مستخدماً كارت التشغيل الذي كان يحتفظ به، في حين انتظره صديقه في الأسفل.
فور وصول المتهم لإشعال النيران في باب الشقة، غلبته العاطفة ولم يتحمل فكرة إحراق صغيراته، ونزل الى صديقه الذي ثار عليه واصفاً إياه بأنه ليس رجلاً كما قالت حماته، فأعطاه مفتاح تشغيل المصعد وطلب منه تنفيذ المخطط.
بلا رحمة أشعل الصديق النيران في باب الشقة، بعدما سكب عليه البنزين لتتحول الشقة في لحظة واحدة إلى محرقة بعدما امتدت في داخلها ألسنة اللهب، لكن كانت المفاجأة أن والدة الضحية التي كان يستهدفها المتهمان لم تكن في الداخل، حيث خرجت لشراء بعض الحاجات لتنجو من الموت في المحرقة التي صنعها طليق ابنتها لها، فكانت ضحاياها مطلقته وبناته الأربع.
تحقيقات استمرت لأكثر من ست ساعات، قرر بعدها المستشار محمد عبدالشافي، المحامي العام الأول لنيابات شرق القاهرة، حبس المتهمين بعد توجيه تهمة القتل العمد اليهما، تمهيداً لإحالتهما الى المحاكمة الجنائية.