الرئيسية أحداث منوعة
أحداث اليوم -
تستشعر المكان من حولها، ترى هاتفهما بجانبها، فتطمئن وتعود لإكمال ما كانت بدأت به؛ هذا هو حال سوزان محمد التي أصبحت تشعر أن أمرا ما ينقصها إن لم يكن هاتفها بجانبها.
حالة من “الإدمان” تعترف بها سوزان، تجعلها تستيقظ مرارا وتكرارا ليلا، لتتفقد هاتفها، علّ أحدا أرسل لها شيئا لم ترَه. وفي جميع الأوقات يبقى بين يديها تتفقد مواقع التواصل، حتى وإن لم يكن هنالك شيء مهم يستدعي ذلك، ورغم أن هذا الأمر بات يزعجها، لكنها لا تقوى على التخلص منه، فهو يكمل شخصيتها، كما تقول، وتشعر براحة كبيرة كلما كان قريبا منها.
الأربعيني أبو علاء لم ينتظر حلول الصباح ليقوم بإصلاح هاتفه النقال الذي سقط منه أرضا، ونجم عنه كسر في الشاشة الداخلية، مما دعاه إلى البحث ليلا عن أحد المحال الخاصة بالهواتف النقالة، كونه لا يستطيع الاستغناء عنه مطلقا.
تقول زوجته أم علاء “منذ دخول زوجي البيت، لا يفارق الهاتف النقال يده، ليس للعمل طبعا.. بل للتصفح وتتبع ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي والدردشات أيضا، وكأنه “هوس” أو “إدمان””.
وتضيف “ليس هذا حاله فقط، بل حال أبنائي أيضا، فعندما يجلس أحدهم في غرفة المعيشة يبحث عن هاتفه النقال ليكون ملتصقا به”.
ويشعر العديد من الأشخاص بالإرباك والضياع، وعدم القدرة على التركيز عندما ينسى أو يختفي هاتفه النقال، ويشعر براحة كبيرة عندما يكون بجانبه، ولا يفارق يديه. أصبح هذا الجهاز صغير الحجم شديد الالتصاق بنا أو بالتعبير الأدق أصبحنا نحن شديدي الالتصاق به، والتماهي مع وسائله وبرامجه وتطبيقاته المتعددة، رغم تبعاته السلبية علينا كأفراد وعلى محيطنا الاجتماعي.
وتؤكد الطالبة الجامعية هدى أن الموبايل أساسي ومهم جدا في حياتها، وتراه أفضل وسيلة وجدت للتواصل مع الآخرين، خصوصا مع البرامج والتقنيات الحديثة المتجددة يوما بعد يوم.
وهذا الموبايل يشبه صندوقا صغيرا يجمع أسماء، معلومات، أسرار وذكريات، مناسبات، وغيرها، يمكننا استرجاع ما به في أي وقت ومكان.
وتذكر أنها أضاعت هاتفها النقال بإحدى الرحلات مع صديقاتها، وواصلت البحث عنه ثلاث ساعات متواصلة حتى تمكنت من العثور عليه، فشعرت أنها فقدت شيئا عزيزا عليها لا تستطيع العيش بدونه، وفق قولها.
وتشتكي الثلاثينية أم محمد من تعلق أبنائها الشديد بهواتفهم النقالة، بقولها “تعم فوضى وحالة طوارئ في المنزل عندما تنتهي صلاحية بطاقة شحن الإنترنت في البيت، خصوصا إن كانت حزم الاشتراك الخاصة بهم منتهية أيضا، ويبدأون بالإلحاح والمطالبة بإعادة الشحن في اليوم نفسه”.
وتضيف “للأسف الشديد أصبحت الهواتف النقالة تحتل جزءا كبيرا في حياتنا، صغيرا وكبيرا، لم تعد وسيلة فقط، بل تشغل بالنا وتفكيرنا طوال الوقت، الموبايل بين أيدينا في البيت، العمل، الجامعة، الشارع، اللمات العائلية، الزيارات والرحلات”.
ويوافقها الرأي الخمسيني أبو سامر الذي يرى أن الهواتف النقالة “تسيطر علينا” ولا يمكننا البعد عنها، وأكثر ما يستفزه ويشعره بالغضب عندما يتحدث مع شخص أمامه، ويظهر أمامه مصغيا له، بينما بين يديه الموبايل ينظر اليه بين الفينة والأخرى.
يقول “لدي خطان على الهاتف النقال، وأستخدمهما للمكالمات والمراسلات وغيرها، لكن ليس طوال الوقت كما أرى الآخرين، وأعتقد أن لجوءنا لهذه الهواتف باستمرار وتتبعها يعد بمثابة هروب من الواقع والبحث عن عالم جديد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة”.
الاستشارية التربوية والأسرية سناء أبو ليل، تبين أن الأبناء دائما يتلقون تعليمهم من “القدوة” سواء في البيت أو المدرسة، فمثلا يضع الأم والأب هاتفيهما عند حديثهما مع الأبناء أو تناول الطعام، وفي الوقت ذاته هناك توضيح الأسباب لهذا السلوك، بأن التكنولوجيا يجب أن لا تبعد المسافات بين أفراد الأسرة.
ويمكن للأم تعويد أبنائها على الاستمتاع بتناول الطعام بعيدا عن الهواتف النقالة، وفق أبو ليل، من خلال إبداء الرأي بمذاق الطبق، مشيرة إلى أن التعليم الناجح يتم باتباع أسلوب محبب لقلوب الأبناء بكلمات جميلة وطيبة، وكذلك عند الخروج بالسيارة، موضحة أنه وبدلا من انشغال كل من أفراد الأسرة بهاتفه النقال، يتبادل الجميع الأحاديث أو موضوعا ما يعبر كل منهم عن رأيه به.
ويوضح اختصاصي علم النفسي التربوي د. موسى مطارنة، أن الموبايل أصبح وسيلة من خلالها يفرغ الإنسان جميع احتياجاته النفسية، فقد بدأت كمظهر اجتماعي بالبدايات تبرز جانبا من التباهي، ثم أصبحت سهلة المنال، وكل شخص بات يملك هاتفا وأكثر.
ويضيف “نظرا لوجود عروض مختلفة، تمكن الجميع من الحصول على الموبايلات وانتشرت بتقليد حتى تبرمج المجتمع عليها، وغدت جزءا من حياتهم اليومية ولا يتخيل شخص كيف يمكن أن يعيش بدونها فتعددت استخداماتها وغدت وسيلة بديلة للاتصال الإنساني الطبيعي كاللقاءات الشخصية والمشاركات الاجتماعية حتى أصبحت كالكمبيوتر المتنقل يعيش معها الإنسان وقته وكأنه يقرأ كل ما في العالم من أحداث جديدة”.
ويشير الى أن ارتباط الحالة الإنسانية بالموبايل وحالة التفاعل الإشباعي من خلاله، جعلا الموبايل رفيقا لا يمكن الاستغناء عنه لارتباطه الإدماني والنفسي وسهولة قضائه للاحتياجات النفسية ويزداد التعلق به تبعا للحالة الشخصية والثقافية وأيضا الخصائص النمائية والعمر. ومن هنا سيطر ذهنيا وبرمج الطفل منذ ولادته على رؤية هذا الجهاز مع أمه وأبيه وأخيه وفي كل مكان فارتبطت حياته به، وغدا جزءا من تكوينه الإنساني الذي لا يستغني عنه، إنه حالة من الإدمان يتناسب طرديا مع الحالة النفسية والشخصية للفرد والمجتمع ووسيلة للإشباع العاطفي لدى الكثيرين.
ويدعو إلى أن نحاول “أخذ إجازة” من الموبايل يوما في الأسبوع واستبداله باهتمامات ثقافية واجتماعية تحقق نوعا من التغيير، قبل أن يشكل حالة من الإدمان تنشئ مع الفرد وتشكل جزءا من تركيبته وبرمجته.