الرئيسية مقالات واراء
مائة عام من الحلم الأخضر
على الثورة العربيّة الكبرى
هي الثورة التي انطلقت من الحجاز والشام للتحرُّر من الحكم العثماني التركي, وقد قُرنت هذه الثورة بالحسين بن علي (1853-1931)، إذ قادها في 10 حزيران سنة 1916 ضدَّ دولة الاتحاد والترقي (القوميين الأتراك) الذين سيطروا على الدولة العثمانية منذ تموز 1908، بعد انقلابهم العسكري على السلطان عبد الحميد الثاني ومن خبرته بالسياسة والمناورات والانقلابات في اسطنبول، كان مستعداً للتغيير في العلاقات مع الدولة التركية، بانتظار الظرف الملائم المتعلق بثلاث قوى، إضافة إلى طموحاته: 1- دولة الاتحاد والترقي، 2- القوميين العرب، 3- بريطانية ومصالحها.
وقد أساء حكم الاتحاد والترقي للشعوب الخاضعة للدولة العثمانية، وخاصةً للعرب لأنه اعتمد القومية التركية وتخلى عن الإسلام الجامع بينهما، وتمادى القادة الأتراك فعزلوا السلطان عبد الحميد سنة 1909 نهائياً، وهو صديق العرب ومقرِّبهم إليه والمعتمد عليهم في مواجهة أطماع القادة التُّرك المتعصبين، مما جعل العرب ينقمون عليهم عامة، وخاصة بعد تبنيهم سياسة تتريك الشعوب غير التركية في دولتهم, ولاحظ الحسين ذلك في اسطنبول، واقترح على السلطان، وهو يودعه، السفر معه إلى الحجاز ليساعده على استعادة خلافته الشرعية وملكه، فلم يرَ السلطان الوقت مواتياً.
وكان القادة الأتراك بسياستهم المتعصبة أسوأ طبيب يداوي الرجل المريض حيث باتت تعرف الدولة العثمانية، وعندما وصل جمال باشا أحد رجالهم الأقوياء حاكماً على سورية، اتَّهم رجالات العرب بالخيانة والتآمر مع الفرنسيين والإنكليز لفصل سورية عن الدولة العثمانية، وأعدم زعماءهم وضباطهم سنة 1915 وفي 6 أيار 1916 في دمشق وبيروت، ممَّا دفع الحسين إلى العمل بسرعة.
وكان القوميون العرب في دمشق، أسَّسوا جمعياتهم القومية، وخاصة «العربية الفتاة» سنة 1909 (حين عُزل السلطان)، مقابل «تركية الفتاة»، وكان لهم جمعيات أخرى كـ«القحطانية» تجمّع فيها الضباط العرب في دمشق، وبادر القوميون العرب وأرسلوا إلى الحسين عن استعدادهم للتحرك في دمشق إذا قبل قيادة ثورة على الدولة التركية, وعندها أرسل الحسين ابنه فيصل إلى دمشق، فالتقى بأولئك الرجال واتفق معهم على قيام الثورة بقيادة والده، وكان الهدف ممَّا سُمَّي بميثاق دمشق، تأسيس دولة عربية واحدة من جبال طوروس إلى البحر العربي ومن البحر الأحمر حتى الخليج العربي يكون الشريف حسين رئيسها، وحدث ذلك بينما كان جمال باشا يعدم الوطنيين ومنهم الضباط العرب.
اكتشف الحسين خطة والي (المدينة المنورة) لاعتقاله، فزاده الأمر تصميماً على الثورة، وأرسل ابنه الأكبر عبد الله إلى الإنكليز في مصر، ومن ثم بدأت مفاوضات ومراسلات الحسين ـ مكماهون سنة 1916، التي تمَّ الاتفاق فيها على قيام ثورة على تركية تدعمها بريطانية وتعترف باستقلالها وتحميها، وتمدُّها بالمال والسلاح وكان ذلك في سبيل هدف مشترك تمثَّل في الوقوف ضد الأتراك حلفاء الألمان في الحرب العالمية الأولى التي كانت قد اشتعلت سنة 1914 بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى.
كانت بريطانيا ترى في الحسين خير حليف عربي في إجهاض نداء تركيا إلى الجهاد الإسلامي لمركزه الديني والعربي بصفته شريف مكَّة, بيد أنَّ العرب والحسين كانوا يجهلون ما حاكته بريطانية في الخفاء ناقضةً اتِّفاقها مع الحسين، إذ أَبرمت اتفاقية (سايكس ـ بيكو) في 16 أيّار 1916 مع فرنسا وروسيا، وأعطت وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 الذي وعدت فيه بتأسيس دولة يهودية في فلسطين, وأخذت بريطانيا ترسل المال والسلاح على قدرٍ لا يجعل للعرب قوةً فعلية، لكن بما يكفي لدحر الأتراك بدعم من الجيش البريطاني الذي سيدخل من مصر إلى فلسطين ثم إلى الشام سنة 1917 و1918، ونقلت الأسرى العرب والضباط إلى الحجاز، إذ كان الجنود العرب يَفرُّون من جيوش الأتراك ويلتحقون بقوات الحسين.
وحين تمَّت التحضيرات أعلن الحسين ثورته في 10 حزيران 1916، وكان من أهمِّ أسبابها المباشرة اعتداء القادة الأتراك على حقوق السلطان وخليفة المسلمين الشرعية، واعتداءهم على القادة العرب واتهامهم بالخيانة وإعدام بعضهم, وهكذا تحرّك الحسين لتحقيق دولة مستقلة للعرب.
ألَّف الحسين قوَّةً مسلحة بدعم من الإنكليز ، لكنَّ المساعدة التي قدَّمها الإنكليز لم تتجاوز الحدود الدنيا لعدم استعدادهم دفع مال كثير، ولخشيتهم أن تصير قوته قوة كبيرة تُهدِّد مصالحهم ومصالح الفرنسيين معاً، وظهر الضعف فيما بعد إذ بقيت القوة ضعيفة, وكان جيش الشمال أو الجيش العربي الذي قاده فيصل بن الحسين باتجاه سورية، والجيش الذي قاده أخوه الأمير عبد الله لترسيخ سلطة الشريف حسين في الحجاز الركيزة الأساسيَّة لتلك القوة العربية المسلَّحة.
وصل فيصل وجيشه إلى الأردن حين كان الجيش البريطاني في فلسطين سنة 1917، فاحتل القدس في كانون الأول 1917، والتقى الجيشان على مداخل دمشق في أواخر أيلول وبداية تشرين الأول 1918، ولقي الأمير فيصل وجيشه استقبالاً منقطع النظير في دمشق.
لعب الامير عبد الله دورا مهما في الثورة العربية الكبرى وكان ابانها قائدا للجيش الشرقي الذي حرر الطائف والمدينة المنورة وفي 8 اذار1918 عقد الوطنيون العراقيون مؤتمرا في دمشق اعلنوا فيه استقلال العراق ونادوا بالامير عبد الله ملكا دستوريا عليه وصل الامير عبد الله الى معان /التي كانت حينذاك تابعة اداريا للحجاز/ على راس قوة من المقاتلين النظاميين وغير النظاميين ,ومنها صمم على الزحف الى دمشق واعادة فيصل الى عرش سوريا وطلب من السوريين التضامن معه واعلان الثورة
اما فرنسا وبريطانيا فقد احستا بالقلق تجاه حركة الامير وطلبتا منه العودة الى الحجاز باسرع وقت وابلغته بريطانيا بانها لن تسمح بان تتحول احدى المناطق الخاضعة لنفوذها بموجب الانتداب الى قاعدة لمهاجمة حليفتها فرنسا في سوريا وطلبت بريطانيا من الامير مغادرة معان الا انه اصر على ان يقيم في ارض تابعة للحجاز على ان رد الفعل الوطني على دعوة الامير عبد الله لم يكن مؤثرا كما اراد او كما تمنى له ان يكون ,حيث لم يكن معه سوى عدد قليل من الرجال واسلحة قليلة ولم يكن الامير يملك مالا لتغطية نفقات حملة ضد فرنسا , غير ان رد فعل الاردنيين على دعوته كان اكثر ايجابية وتشجيعا من رد فعل السوريين انفسهم, وكان شرقي الاردن في ذلك الوقت الجزء الوحيد من سوريا الذي لم يكن خاضعا لاحتلال أي قوة عسكرية اوروبية بشكل مباشر ورغم ان بريطانيا وضعته في اطار صك الانتداب الا انها لم تضم المنطقة الى ادارة فلسطين المحلية بل اكتفت بتعيين مستشارين سياسيين للمساعدة في تاسيس حكومات محلية للمقاطعات الثلاث التي كانت تتكون منها انذاك وهي اربد, والسلط ,والكرك وكانت هذه الحكومات المحلية قد تاسست في ايلول 1920 غير انها اثبتت ضعفها وعدم تمكنها من المحافظة على الامن وفرض سلطتها ,وفي تلك الاثناء قررت الحكومة البريطانية اجراء تفاهم مع العرب ولهذا دعت الأمير فيصل الى لندن لاجراء محادثات سياسية واشترطت ان لا يقوم الامير عبدالله باي تحركات بانتظار ما ستسفر عنه تلك المحادثات من نتائج غير ان حماس الاردنيين لقضية الاستقلال العربي ظهر من خلال عقد اجتماعات شعبية وارسال الوفود الى معان لدعوة الامير عبد الله والالحاح عليه بالتقدم نحو الشمال .
وهكذا وبعد اقامة قصيرة دامت نحو اربعة شهر وصل الامير الى عمان في الثاني من اذار عام 1921 واستقبلته وفود من ارجاء البلاد وأعلنت ولاءها له وفي ذات الوقت كان وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل يعقد مؤتمرا مهما في القاهرة يبحث فيه امكانية ايجاد الحلول المناسبة لمشاكل المنطقة, وقد اتخذ المؤتمر قرارا باحتلال شرقي الاردن احتلالا عسكريا الا ان تشرشل غير رايه عندما تلقى رسالة من الامير عبد الله يشرح له فيها وجهة النظر العربية فدعا تشرشل الامير عبد الله الى لقاء في القدس وعقد معه اربعة اجتماعات في اواخر اذار 1921 حاول خلالها اقناع تشرشل بضرورة توحيد فلسطين وشرقي الاردن في دولة واحدة بزعامة امير عربي غير ان تشرشل ابلغ الامير ان بريطانيا لا يمكنها تغيير سياستها المعلنة تجاه فلسطين.
وفي النهاية اقترح على الامير البقاء في شرقي الاردن وتولى زمام الامور فيها ثم توصل الطرفان الامير وتشرشل الى اتفاق ضمن النقاط التالية:
تاسيس حكومة وطنية في شرقي الاردن برئاسة الامير عبد الله بن الحسين.
قيام الحكومة الاردنية باستكمال اجراءات الاستقلال.
تعيين معتمد بريطاني في عمان لتمثيل سلطة الانتداب.
تقديم بريطانيا الدعم اللازم لشرقي الاردن .
عدم استخدام شرقي الاردن كقاعدة لاي هجوم ضد سوريا او فلسطين.
احتفاظ بريطانيا بحق انشاء مطار في عمان.
وخلال المناقشات اشار تشرشل الى ان المصالحة مع فرنسا قد تؤدي الى قيام حكم عربي برئاسة الامير عبد الله ووعد بان تبذل حكومته كل ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف وكان من جملة الشروط التي اتفق الامير عبد الله والمستر تشرشل عليها ان يستثني شرقي الاردن من ان تشمله نصوص وعد بلفور القاضية بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وفي أول لقاء بين الجنرال اللنبي قائد الجيش البريطاني وفيصل في دمشق، بعد يومين من دخولهم إليها، عَيَّن اللنبي فيصلاً حاكماً على سورية، حسب اتفاقية (سايكس-بيكو)، تساعده قوة بريطانية وضابط ارتباط فرنسي لإبقاء سورية تحت قيادة الحلفاء, وحكم الإنكليز العراق مباشرة من دون اللجوء إلى الحسين أو أحد أولاده، وحكموا فلسطين أيضاً وبدؤوا يعدونها لتأسيس الكيان اليهودي فيها، وكان كلا البلدين تحت الانتداب البريطاني.
أمَّا فرنسا فقد احتلت الساحل السوري ولبنان، وفَصلت لبنان عن سوريا، وشكَّلت فيه دولة تحت انتدابها، ثم احتلَّت سوريا منهية الحكم العربي بقيادة فيصل في سوريا، بعد حكم دام 22 شهراً من 1918 إلى 1920، فكانت معركة ميسلون المشهورة بين الجيش السوري بقيادة الشهيد يوسف العظمة وقوات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال غورو في 24 تموز عام 1920، ودخل الجنرال غورو سورية وحكمها أيضاً باسم الانتداب الفرنسي، مقابل تخلي فرنسا عن حصتها في بترول الموصل إلى بريطانيا، على أن لا تتدخل هذه باحتلال الفرنسيين لسوريا.
اتَّهم الحسين الإنكليز بالخيانة بتخليهم عن سوريا للفرنسيين، ضاربين عرض الحائط بكل تعهداتهم بإقامة دولة عربية واحدة مستقلة, ثم أخذ الإنكليز يضغطون على الحسين للاعتراف بوعد بلفور، ولكنه كان يرفض دائماً بقوله: «شبر في مكة يساوي شبراً في القدس»، وكان النزاع بين الحسين والدولة السعودية قائماً، فدعم الإنكليز السعوديين، فهاجموا الحجاز واحتلُّوه، جزاء عناده ورفضه مطالب الإنكليز، وغادر الحسين الحجاز سنة 1924الى عمان،ثم استقر في العقبة لمدة ثمانية شهور بعدها تم نفيه من قبل الإنكليز الى قبرص وبذا انتهت دولة الحجاز الهاشمية، وظل الحسين بمنفاه في قبرص حتى مرضه، ولما اشتدّ المرض عليه نُقل إلى عمان في اوائل عام 1931 حيث توفي في الثالث من حزيران عام 1931، ودُفن جثمانه في القدس الشريف، بينما كان ابنه الأمير عبد الله يحكم الأردن وفيصل يحكم العراق.
وفي تلك السنوات، ضمت بريطانيا الأردن تحت انتدابها بعد احتلال فرنسا لسورية سنة 1920، ثم عَيَّنت الأمير عبد الله حاكماً عليه سنة 1921، أما فيصل فقد عوضته بدل سورية العراق سنة 1921 وصار ملكاً عليه، وزال حكم الهاشميين عن العراق بعد ثورة عبد الكريم قاسم واستشهاد الملك فيصل الثاني في تموز عام 1958 .
وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا وتنكرت بريطانيا لكل وعودها للعرب الذين اكتشفوا أنهم اشتروا الوهم فلا دولة ولا استقلال ولكن فرنسا وبريطانيا قسّمت الدول العربية فيما بينها بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وخصّصت فلسطين لليهود ليقيموا عليها دولتهم, المفارقة أن هذه اللعبة تكررت مع العديد من الدول العربية عدة مرات بعد ذلك, كما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية، وحدث ايضا أثناء الحرب الباردة، ومازال العرب يهوون الرهان على الحصان الغربي الذي يطرحهم أرضاً في كل مرة .
وكان من أهم نتائج ثورة الحسين ابن علي استقلال الجزيرة العربية والشام والعراق وفلسطين ولبنان عن الدولة العثمانية، بعد حكم دام أربعمائة سنة، لم يحدث في أثنائه احتلال أوروبي لهذه الأرض، رغم وجود الإنكليز في المنطقة، وخاصة جنوبي الجزيرة العربية والخليج العربي ,وكذلك تشكيل خمس دول في المنطقة، وكيان يهودي مستقبلي، وانتهاءُ حلمٍ عربيٍّ بإقامة دولة عربية كبيرة موحدة, كما فَصَلَتْ الحدود التي رسمتها اتفاقية (سايكس-بيكو) هذه الدول عن بعض، وصارت مقدَّسة في عُرف قادتها، وغير قابلة للمحو أو التعديل, وقد لقي الحسين بن علي جزاءه على أيدي الإنكليز، ليس فقط بأن فقد حلمه في إقامة دولة عربية كبيرة، بل ضنَّ عليه الإنكليز بالبقاء حتى على الأرض التي حلم بإقامة دولته عليها مع وجود أبنائه ملوكاً وأمراء فيها , وبعد انتهاء الاستعمار البريطاني والفرنسي، بقيت الدول مُقامةً وفق اتفاقية (سايكس-بيكو) وتعديلات قوات الانتداب عليها، واستقلَّت في الأربعينات والخمسينات، وأُنشئ الكيان الصهيوني في المنطقة على أرض فلسطين 1948 وثم على بقيّة الأرض الفلسطينية واراض عربية اخرى عام 1967, وقد مضى على تلك الإتفاقية مائة عام حيث تعمل القوى العظمى والصهيونية على تغيير حدود ومسميات دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا تحت برامج ومشاريع مختلفة كالربيع العربي والشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد وجميعها تدور حول اهداف رئيسة أوّلها تكريس الكيان الصهيوني في فلسطين وتأمين درع واق له لسنوات طويله وثانيها حماية ما تبقى من حقول نفط عربية والإستفادة منها حين اللزوم وثالثها تحطيم القوة العسكرية العربية وعدم تمكينها من النهوض لسنوات عديدة ورابعها خلق النزاعات وعدم الثقة بين الدول والدويلات العربية وخاصّة المذهبيّة والطائفية منها وإذكاء الخلاف السنّي الشيعي بين العرب وإيران وكذلك إحياء القوميّات المختلفة كالأكراد والدروز والشركس والأرمن ودفعهم للمطالبة بالتحرر والإستقلال وهدف آخر هو محاولة إبعاد روسيا عن التحالف مع العرب او الإستفادة من الدول العربية مستقبلا وغير ذلك من اهداف خبيثة تعود على العرب بالوبال اهمها العمل على تقسيم الدول العربية الى دويلات وكيانات متفرقة ,
ولو كانت ثورة الحسين ابن علي قد قدِّر لها النجاح لما كان لتلك الأهداف سبيلا للتحقيق .
وفي عام 1921 بدأ تاريخ جديد فوق الأرض الأردنيّة تحت ظل الراية الهاشمية بقيادة الأمير عبدالله ابن الحسين ابن علي رحمهم الله وتحت اسم إمارة شرق الأردن حيث كان الأردن قبل ذلك جزءا من ولاية الشام التابعة للدولة العثمانية منذ عام 1516، وقد استطاع الهاشميّون من نقل المجتمع الأردني من مجتمع بداوة بسيط في عيشه وعلاقاته الى مجتمع حضري له مقوِّمات استطاع من تطويرها وتنميتها بفضل الأردنيِّين المخلصين لتصبح مقوِّمات دولة قانون ومؤسسات على مر السنين السابقة وحتى الآن .
أسس الملك عبد الله إمارة شرق الأردن في 21 نيسان 1921م عندما أقام أول نظام حكومي مركزي في مجتمع معظمه عشائري وبدوي, وطوال السنوات الثلاثين التالية، ركز على بناء الدولة، ووضع الأطر المؤسسية للأردن الحديث , وقد سعى إلى الحكم الذاتي والاستقلال، بإقامة شرعية ديمقراطية، وبوضع أول دستور للأردن في عام 1928عرف باسم المجلس التشريعي، وإجراء الانتخابات لأول برلمان في عام 1929م. وخلال هذه العقود الثلاثة أيضاً، عقد الملك سلسلة من المعاهدات بين إنجلترا وشرق الأردن، كان آخرها في 22 آذار 1946م بالمعاهدة الإنجليزية - الشرق أردنية التي أنهت الانتداب البريطاني وحققت لشرق الأردن استقلالا كاملاً ولتصبح الدولة باسم "المملكة الأردنية الهاشمية" في 25 ايار 1946م.
وكان اول مؤتمر شارك به الأردن مؤتمر قمة انشاص بمصر في 28 أيار 1946م بعد ايام من استقلال الدولة, خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948, وقد استبسل الجيش العربي الأردني في الدفاع عن القدس وأجزاء أخرى من فلسطين, وقد نجح الجيش العربي في إلحاق الهزيمة بالقوات اليهودية في باب الواد واللطرون والقدس وحافظ على القدس الشرقية رغم الهجمات الإسرائيلية عليه, وانتهت الحرب في منتصف شهر تموز عام 1948م وبعدها جرى توقيع عدد من اتفاقيات الهدنة بين الأطراف العربية وإسرائيل في مؤتمر رودس, وبموجبها تم ترسيم حدود منطقة شرق الأردن مع فلسطين.
في 20 تموز 1951م توجه الملك عبد الله الملقب بالملك ألمؤسس إلى القدس لأداء صلاة الجمعة مع حفيده الحسين بن طلال, ليقضي شهيداً على عتبات المسجد الأقصى وعلى مقربة من ضريح والده الحسين بن علي.
في عام 1951 تولى الملك طلال بن عبد الله الحكم بعد استشهاد والده الملك عبد الله ، ولكن لأسباب صحية، لم يتمكن من الاستمرار في الحكم، فأعفي جلالته، بعد أقل من سنة، من العرش، في 11 آب 1952، كان الإنجاز الأكبر للملك طلال اصدار الدستور الأردني في الثامن من كانون الثاني عام 1952 وقد تولى بعده ابنه الأمير حسين ملكاً دستورياً على الأردن.
تسلم الملك حسين سلطاتة الدستورية رسميا في الثاني من شهر أيار عام 1953, من مجلس وصاية على العرش, لكون الحسين وقتها اقل من17 عاما ولم يكن يبلغ السن القانونية للحكم حسب دستور 1952 وهي 18 سنة قمرية, وبقي في الحكم لأكثر من ستة واربعون عاما حتى توفي رحمه الله بمرض السرطان في عام 1999.
ففي الثاني من ايار عام 1953م، وبعد بلوغ الملك حسين السن القانونية، تسلم سلطاته الدستورية, وتولى الملك حسين الحكم في بلد لا موارد لديه، مكبل بمعاهدة مع بريطانيا وتشكل المساعدات المالية البريطانية ميزانيته. ويترأس جيشه الجنرال البريطاني (جلوب باشا) وعدد من الضباط الإنجليز، وبدأت رحلة المتاعب التي لا تنتهي، وبلغ الخلاف بينه وبين جلوب مداه عام 1956م، حينما عجز الملك عن إقناع جلوب بترقية عدد من الضباط الأردنيين وتهيئتهم لقيادة الجيش في المستقبل، فكان أول قرار تاريخي يتخذه الملك حسين هو طرد الجنرال جلوب ومعاونيه من الإنجليز، وتعريب قيادة الجيش الأردني، وإنهاء المعاهدة البريطانية , وقوبل قرار الملك بارتياح عربي وتأييد شعبي.
ركز الملك حسين على بناء اقتصاد قوي وبنية تحتية صناعية لدعم مخططات التنمية البشرية، فتم تأسيس وتطوير الصناعات الرئيسية في الأردن مثل الفوسفات، البوتاس، الاسمنت، كما تم بناء شبكة مواصلات في كل أنحاء الأردن.
ويُعتبر الملك حسين رحمه الله واحدا من أقدم الزعماء العرب حكماً، فقد أمضى في الحكم 46 عاماً.
في عام 1958م، تم الاتحاد بين مملكتي الأردن والعراق تحت اسم الإتحاد العربي الهاشمي، وبعد خمسة أشهر من الوحدة، حدثت ثورة عبد الكريم قاسم في العراق واستشهد الملك فيصل الثاني ملك العراق، وانتهى بذلك حُكم العائلة الهاشمية المالكة بالعراق.
في عام 1964م، بدأ التوتر بين منظمة التحرير الفلسطينية والأردن. وحاول الملك حسين الاتفاق مع رئيس المنظمة، أحمد الشقيري، من دون جدوى الى ان تمت المصالحة قبل حرب حزيران في القاهرة.
في حرب حزيران 1967م، لم يكن الملك راغباً في دخول الحرب، ولكن عندما أدرك أنها واقعة، لا محالة، دخلها وفيها خسر الضفة الغربية, ومنها اتخذت المنظمات الفدائية من الأردن ساحة للمقاومة ، وفي أيلول 1970م حدثت المواجهة الشاملة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، وفي عام 1972م، اقترح الملك حسين مشروع المملكة العربية المتحدة بين الأردن والأراضي الفلسطينية التي تنسحب منها إسرائيل ولكن المشروع لم يرى النور , كما شارك الجيش العربي الأردني بناء على تعليمات القائد الأعلى للجيش الملك حسين في حرب 1973م الى جانب الشقيقتين سوريا ومصر.
في عام 1974م، وفي مؤتمر القمة الذي انعقد في الرباط، أقر القادة العرب بحضور الملك حسين أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكانت الموافقة عن اقتناع بأن المنظمة لابد وأن تشارك في أية مفاوضات تتعلق بالقضية, كما اشترك الأردن في تكوين مجلس الاتحاد العربي الذي ضم مصر والعراق والأردن واليمن, وفي 1988م اعلن الملك حسين قرار الأردن فك الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية ممهداً الطريق للفلسطينيين لإعلان دولتهم المستقلة في حالة انسحاب إسرائيل منها.
بعد حرب 1967م، لعب الملك حسين دوراً أساسياً في صياغة قرار الأمم المتحدة رقم (242) الذي ظل منذ صدوره يمثل مرجعية لكافة مفاوضات السلام اللاحقة, كما لعب دوراً محورياً في عقد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991م , ففي تشرين اول من عام 1991م شارك الفلسطينيون في مفاوضات مؤتمر السلام في الشرق الأوسط، الذي عقد في مدريد تحت رعاية الولايات المتحدة وروسيا، وتحت مظلة الوفد الأردني, كما تم عقد معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في 26 تشرين اول عام 1994م.
وكانت رحلة الملك حسين مع المرض طويلة، فقد صارع مرض السرطان على مراحل متعددة, ففي عام 1992م، تم استئصال إحدى كليتيه بعد إصابتها بالسرطان، ثم أُكتشف إصابته بالسرطان في الغدد الليمفاوية، وقد أجرى عمليتين جراحيتين في عام 1997م، ومر بست مراحل من العلاج الكيماوي ثم أجريت له عملية زرع النخاع الشوكي، عاد بعدها إلى عمان وبعدها بأسبوع واحد عادت أعراض المرض تظهر عليه، مما اضطره للعودة للولايات المتحدة، حيث أجريت له عملية زرع نخاع عظْمِي للمرة الثانية، ولكن صحته تدهورت بشكل كبير، مما استدعى نقله إلى الوطن يوم الخميس 4 فبراير 1999م, حيث توفي في صباح يوم 21 شوال عام 1419هـ الموافق 7 فبراير 1999م الساعة الحادية عشر وثلاث وأربعون دقيقة صباحاً بتوقيت عمان , وقد شيعت جنازته يوم 8 فبراير 1999م، وشارك في جنازته عدد كبير من زعماء الدول العربية والأجنبية حيث سميت جنازة العصر.
في عام 1999 تولى عبد الله الثاني بن الحسين المُلك بعد وفاة والده الملك حسين، حيث كان قد خلف عمه الأمير الحسن بن طلال في ولاية العهد قبل اسبوع من وفاة الملك الحسين، بعد أن بقى مدة 34 سنة وليا للعهد.
ينتمي الملك عبد الله الثاني إلى الجيل الثالث والأربعين من أحفاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وقد تسلم جلالته سلطاته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية في السابع من شباط عام 1999 اليوم الذي توفى فيه والده الملك الحسين بن طلال.
ولد الملك عبد الله الثاني في عمان في الثلاثين من كانون الثاني 1962م، وهو الابن الأكبر للملك الراحل الحسين طيب الله ثراه والأميرة منى الحسين, وقد تلقى علومه الابتدائية في الكلية العلمية الإسلامية في عمان عام 1966م، لينتقل بعدها إلى مدرسة سانت إدموند في ساري بإنجلترا، ومن ثم بمدرسة إيجلبروك وأكاديمية ديرفيلد في الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته الثانوية.
ويسير جلالته على منهج داعم لسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط, ولايجاد حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي حسب حل الدولتين , والمضي نحو مزيد من مأسسة الديمقراطية والتعددية السياسية, وعلى تقوية علاقات الأردن الخارجية، وتقوية دور المملكة في العمل من أجل السلام والاستقرار الإقليمي, وقد انضم الأردن في عهده، إلى منظمة التجارة العالمية، وتم توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع ست عشرة دولة عربية، وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، واتفاقية الشراكة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، لأرساء أساس لإدماج الأردن في الاقتصاد العالمي.
اقترن جلالة الملك عبد الله الثاني بالملكة رانيا في العاشر من حزيران 1993م، ورزقا بنجلين هما الأمير حسين الذي ولد في 28 حزيران 1994م، والأمير هاشم الذي ولد في 30 كانون الثاني 2005م، وبابنتين هما الأميرة إيمان التي ولدت في 27 أيلول 1996م، والأميرة سلمى التي ولدت في 26 أيلول 2000م , وله أربعة أخوة وست أخوات , ويحمل الملك عبد الله الثاني العديد من الأوسمة من الدول العربية والأجنبية,وهو مؤهل كطيار، وكمظلي في مجال الهبوط الحر بالمظلة, ومن هواياته سباق السيارات (وقد فاز ببطولة سباق الرالي الوطني الأردني)، وممارسة الرياضات المائية والغطس خاصة أنه قد تدرب على أعمال الضفادع البشرية، ومن هواياته الأخرى اقتناء الأسلحة القديمة.
ويسعى جلالته إلى تحرير الاقتصاد, كتخفيض عبء المديونية، وتقليص عجز الموازنة، وتبني سياسة اقتصادية تحررية، والاندماج في الاقتصاد العالمي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية، والقضاء على البطالة والفقر.
وفي ذكرى المائة عام على إنطلاق الثورة العربية الكبرى التي قامت على مبادئ الوحدة والنهضة العربية وسار الأردن على هذا النهج وانشأ جيشه نشأة عروبيّة وحافظ على مركزيّة القضية الفلسطينية وبقي حارسا على مقدساتها ووصيا على إعمارها ووقف مع الشعوب العربية في مختلف محنها وآوى اللاجئين والمشردين منهم والهاربين من القتل والدمار وكذلك المساهمة في محاولات التوفيق لحل الخلافات بين بعض الجماعات العربية المختلفة سابقا وحتى الآن ووقف دوما مع التوجه الوحدوي في جميع انحاء الوطن العربي وحافظ على الوسطيّة في مواقفه المختلفة وخاصّة في مشاركته في الحوار بين الأديان وحوار الحضارات والمؤتمرات الدولية المختلفة .
وينظر الأردن دوما الى تحقيق الحلم الأخضر الذي كان يراود الحسين ابن علي بالرغم من الظروف الصعبة المتّشحة باللون الأسود والأحمر التي تحيط بالعالم العربي الآن حيث اصبح حلم بعض الشعوب العربية بمنطقة خضراء خالية من الدمار والقتل .
واستطاع الأردن ان يتجاوز الأوضاع الملتهبة في الإقليم المحيط به نتيجة حكمة ووسطيّة فكر ومواقف قادته الهاشميّين ومواقفه المعتدلة وعلاقاته الطيبة مع الدول الأخرى وعدم تدخلّه في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وبالسعي لإصلاحات حقيقية دستوريّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة وتكريس المحبّة والوحدة بين نسيج المجتمع الأردني الواحد .
حمى الله الأردن ارضا وشعبا وقيادة وجنّبه جميع الأخطار وما يحيكه المتآمرون عليه والإرهابيّين وجميع الحاسدين والحاقدين .
احمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com
21 /5/ 2016
مائة عام من الحلم الأخضر
على الثورة العربيّة الكبرى
هي الثورة التي انطلقت من الحجاز والشام للتحرُّر من الحكم العثماني التركي, وقد قُرنت هذه الثورة بالحسين بن علي (1853-1931)، إذ قادها في 10 حزيران سنة 1916 ضدَّ دولة الاتحاد والترقي (القوميين الأتراك) الذين سيطروا على الدولة العثمانية منذ تموز 1908، بعد انقلابهم العسكري على السلطان عبد الحميد الثاني ومن خبرته بالسياسة والمناورات والانقلابات في اسطنبول، كان مستعداً للتغيير في العلاقات مع الدولة التركية، بانتظار الظرف الملائم المتعلق بثلاث قوى، إضافة إلى طموحاته: 1- دولة الاتحاد والترقي، 2- القوميين العرب، 3- بريطانية ومصالحها.
وقد أساء حكم الاتحاد والترقي للشعوب الخاضعة للدولة العثمانية، وخاصةً للعرب لأنه اعتمد القومية التركية وتخلى عن الإسلام الجامع بينهما، وتمادى القادة الأتراك فعزلوا السلطان عبد الحميد سنة 1909 نهائياً، وهو صديق العرب ومقرِّبهم إليه والمعتمد عليهم في مواجهة أطماع القادة التُّرك المتعصبين، مما جعل العرب ينقمون عليهم عامة، وخاصة بعد تبنيهم سياسة تتريك الشعوب غير التركية في دولتهم, ولاحظ الحسين ذلك في اسطنبول، واقترح على السلطان، وهو يودعه، السفر معه إلى الحجاز ليساعده على استعادة خلافته الشرعية وملكه، فلم يرَ السلطان الوقت مواتياً.
وكان القادة الأتراك بسياستهم المتعصبة أسوأ طبيب يداوي الرجل المريض حيث باتت تعرف الدولة العثمانية، وعندما وصل جمال باشا أحد رجالهم الأقوياء حاكماً على سورية، اتَّهم رجالات العرب بالخيانة والتآمر مع الفرنسيين والإنكليز لفصل سورية عن الدولة العثمانية، وأعدم زعماءهم وضباطهم سنة 1915 وفي 6 أيار 1916 في دمشق وبيروت، ممَّا دفع الحسين إلى العمل بسرعة.
وكان القوميون العرب في دمشق، أسَّسوا جمعياتهم القومية، وخاصة «العربية الفتاة» سنة 1909 (حين عُزل السلطان)، مقابل «تركية الفتاة»، وكان لهم جمعيات أخرى كـ«القحطانية» تجمّع فيها الضباط العرب في دمشق، وبادر القوميون العرب وأرسلوا إلى الحسين عن استعدادهم للتحرك في دمشق إذا قبل قيادة ثورة على الدولة التركية, وعندها أرسل الحسين ابنه فيصل إلى دمشق، فالتقى بأولئك الرجال واتفق معهم على قيام الثورة بقيادة والده، وكان الهدف ممَّا سُمَّي بميثاق دمشق، تأسيس دولة عربية واحدة من جبال طوروس إلى البحر العربي ومن البحر الأحمر حتى الخليج العربي يكون الشريف حسين رئيسها، وحدث ذلك بينما كان جمال باشا يعدم الوطنيين ومنهم الضباط العرب.
اكتشف الحسين خطة والي (المدينة المنورة) لاعتقاله، فزاده الأمر تصميماً على الثورة، وأرسل ابنه الأكبر عبد الله إلى الإنكليز في مصر، ومن ثم بدأت مفاوضات ومراسلات الحسين ـ مكماهون سنة 1916، التي تمَّ الاتفاق فيها على قيام ثورة على تركية تدعمها بريطانية وتعترف باستقلالها وتحميها، وتمدُّها بالمال والسلاح وكان ذلك في سبيل هدف مشترك تمثَّل في الوقوف ضد الأتراك حلفاء الألمان في الحرب العالمية الأولى التي كانت قد اشتعلت سنة 1914 بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى.
كانت بريطانيا ترى في الحسين خير حليف عربي في إجهاض نداء تركيا إلى الجهاد الإسلامي لمركزه الديني والعربي بصفته شريف مكَّة, بيد أنَّ العرب والحسين كانوا يجهلون ما حاكته بريطانية في الخفاء ناقضةً اتِّفاقها مع الحسين، إذ أَبرمت اتفاقية (سايكس ـ بيكو) في 16 أيّار 1916 مع فرنسا وروسيا، وأعطت وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 الذي وعدت فيه بتأسيس دولة يهودية في فلسطين, وأخذت بريطانيا ترسل المال والسلاح على قدرٍ لا يجعل للعرب قوةً فعلية، لكن بما يكفي لدحر الأتراك بدعم من الجيش البريطاني الذي سيدخل من مصر إلى فلسطين ثم إلى الشام سنة 1917 و1918، ونقلت الأسرى العرب والضباط إلى الحجاز، إذ كان الجنود العرب يَفرُّون من جيوش الأتراك ويلتحقون بقوات الحسين.
وحين تمَّت التحضيرات أعلن الحسين ثورته في 10 حزيران 1916، وكان من أهمِّ أسبابها المباشرة اعتداء القادة الأتراك على حقوق السلطان وخليفة المسلمين الشرعية، واعتداءهم على القادة العرب واتهامهم بالخيانة وإعدام بعضهم, وهكذا تحرّك الحسين لتحقيق دولة مستقلة للعرب.
ألَّف الحسين قوَّةً مسلحة بدعم من الإنكليز ، لكنَّ المساعدة التي قدَّمها الإنكليز لم تتجاوز الحدود الدنيا لعدم استعدادهم دفع مال كثير، ولخشيتهم أن تصير قوته قوة كبيرة تُهدِّد مصالحهم ومصالح الفرنسيين معاً، وظهر الضعف فيما بعد إذ بقيت القوة ضعيفة, وكان جيش الشمال أو الجيش العربي الذي قاده فيصل بن الحسين باتجاه سورية، والجيش الذي قاده أخوه الأمير عبد الله لترسيخ سلطة الشريف حسين في الحجاز الركيزة الأساسيَّة لتلك القوة العربية المسلَّحة.
وصل فيصل وجيشه إلى الأردن حين كان الجيش البريطاني في فلسطين سنة 1917، فاحتل القدس في كانون الأول 1917، والتقى الجيشان على مداخل دمشق في أواخر أيلول وبداية تشرين الأول 1918، ولقي الأمير فيصل وجيشه استقبالاً منقطع النظير في دمشق.
لعب الامير عبد الله دورا مهما في الثورة العربية الكبرى وكان ابانها قائدا للجيش الشرقي الذي حرر الطائف والمدينة المنورة وفي 8 اذار1918 عقد الوطنيون العراقيون مؤتمرا في دمشق اعلنوا فيه استقلال العراق ونادوا بالامير عبد الله ملكا دستوريا عليه وصل الامير عبد الله الى معان /التي كانت حينذاك تابعة اداريا للحجاز/ على راس قوة من المقاتلين النظاميين وغير النظاميين ,ومنها صمم على الزحف الى دمشق واعادة فيصل الى عرش سوريا وطلب من السوريين التضامن معه واعلان الثورة
اما فرنسا وبريطانيا فقد احستا بالقلق تجاه حركة الامير وطلبتا منه العودة الى الحجاز باسرع وقت وابلغته بريطانيا بانها لن تسمح بان تتحول احدى المناطق الخاضعة لنفوذها بموجب الانتداب الى قاعدة لمهاجمة حليفتها فرنسا في سوريا وطلبت بريطانيا من الامير مغادرة معان الا انه اصر على ان يقيم في ارض تابعة للحجاز على ان رد الفعل الوطني على دعوة الامير عبد الله لم يكن مؤثرا كما اراد او كما تمنى له ان يكون ,حيث لم يكن معه سوى عدد قليل من الرجال واسلحة قليلة ولم يكن الامير يملك مالا لتغطية نفقات حملة ضد فرنسا , غير ان رد فعل الاردنيين على دعوته كان اكثر ايجابية وتشجيعا من رد فعل السوريين انفسهم, وكان شرقي الاردن في ذلك الوقت الجزء الوحيد من سوريا الذي لم يكن خاضعا لاحتلال أي قوة عسكرية اوروبية بشكل مباشر ورغم ان بريطانيا وضعته في اطار صك الانتداب الا انها لم تضم المنطقة الى ادارة فلسطين المحلية بل اكتفت بتعيين مستشارين سياسيين للمساعدة في تاسيس حكومات محلية للمقاطعات الثلاث التي كانت تتكون منها انذاك وهي اربد, والسلط ,والكرك وكانت هذه الحكومات المحلية قد تاسست في ايلول 1920 غير انها اثبتت ضعفها وعدم تمكنها من المحافظة على الامن وفرض سلطتها ,وفي تلك الاثناء قررت الحكومة البريطانية اجراء تفاهم مع العرب ولهذا دعت الأمير فيصل الى لندن لاجراء محادثات سياسية واشترطت ان لا يقوم الامير عبدالله باي تحركات بانتظار ما ستسفر عنه تلك المحادثات من نتائج غير ان حماس الاردنيين لقضية الاستقلال العربي ظهر من خلال عقد اجتماعات شعبية وارسال الوفود الى معان لدعوة الامير عبد الله والالحاح عليه بالتقدم نحو الشمال .
وهكذا وبعد اقامة قصيرة دامت نحو اربعة شهر وصل الامير الى عمان في الثاني من اذار عام 1921 واستقبلته وفود من ارجاء البلاد وأعلنت ولاءها له وفي ذات الوقت كان وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل يعقد مؤتمرا مهما في القاهرة يبحث فيه امكانية ايجاد الحلول المناسبة لمشاكل المنطقة, وقد اتخذ المؤتمر قرارا باحتلال شرقي الاردن احتلالا عسكريا الا ان تشرشل غير رايه عندما تلقى رسالة من الامير عبد الله يشرح له فيها وجهة النظر العربية فدعا تشرشل الامير عبد الله الى لقاء في القدس وعقد معه اربعة اجتماعات في اواخر اذار 1921 حاول خلالها اقناع تشرشل بضرورة توحيد فلسطين وشرقي الاردن في دولة واحدة بزعامة امير عربي غير ان تشرشل ابلغ الامير ان بريطانيا لا يمكنها تغيير سياستها المعلنة تجاه فلسطين.
وفي النهاية اقترح على الامير البقاء في شرقي الاردن وتولى زمام الامور فيها ثم توصل الطرفان الامير وتشرشل الى اتفاق ضمن النقاط التالية:
تاسيس حكومة وطنية في شرقي الاردن برئاسة الامير عبد الله بن الحسين.
قيام الحكومة الاردنية باستكمال اجراءات الاستقلال.
تعيين معتمد بريطاني في عمان لتمثيل سلطة الانتداب.
تقديم بريطانيا الدعم اللازم لشرقي الاردن .
عدم استخدام شرقي الاردن كقاعدة لاي هجوم ضد سوريا او فلسطين.
احتفاظ بريطانيا بحق انشاء مطار في عمان.
وخلال المناقشات اشار تشرشل الى ان المصالحة مع فرنسا قد تؤدي الى قيام حكم عربي برئاسة الامير عبد الله ووعد بان تبذل حكومته كل ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف وكان من جملة الشروط التي اتفق الامير عبد الله والمستر تشرشل عليها ان يستثني شرقي الاردن من ان تشمله نصوص وعد بلفور القاضية بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وفي أول لقاء بين الجنرال اللنبي قائد الجيش البريطاني وفيصل في دمشق، بعد يومين من دخولهم إليها، عَيَّن اللنبي فيصلاً حاكماً على سورية، حسب اتفاقية (سايكس-بيكو)، تساعده قوة بريطانية وضابط ارتباط فرنسي لإبقاء سورية تحت قيادة الحلفاء, وحكم الإنكليز العراق مباشرة من دون اللجوء إلى الحسين أو أحد أولاده، وحكموا فلسطين أيضاً وبدؤوا يعدونها لتأسيس الكيان اليهودي فيها، وكان كلا البلدين تحت الانتداب البريطاني.
أمَّا فرنسا فقد احتلت الساحل السوري ولبنان، وفَصلت لبنان عن سوريا، وشكَّلت فيه دولة تحت انتدابها، ثم احتلَّت سوريا منهية الحكم العربي بقيادة فيصل في سوريا، بعد حكم دام 22 شهراً من 1918 إلى 1920، فكانت معركة ميسلون المشهورة بين الجيش السوري بقيادة الشهيد يوسف العظمة وقوات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال غورو في 24 تموز عام 1920، ودخل الجنرال غورو سورية وحكمها أيضاً باسم الانتداب الفرنسي، مقابل تخلي فرنسا عن حصتها في بترول الموصل إلى بريطانيا، على أن لا تتدخل هذه باحتلال الفرنسيين لسوريا.
اتَّهم الحسين الإنكليز بالخيانة بتخليهم عن سوريا للفرنسيين، ضاربين عرض الحائط بكل تعهداتهم بإقامة دولة عربية واحدة مستقلة, ثم أخذ الإنكليز يضغطون على الحسين للاعتراف بوعد بلفور، ولكنه كان يرفض دائماً بقوله: «شبر في مكة يساوي شبراً في القدس»، وكان النزاع بين الحسين والدولة السعودية قائماً، فدعم الإنكليز السعوديين، فهاجموا الحجاز واحتلُّوه، جزاء عناده ورفضه مطالب الإنكليز، وغادر الحسين الحجاز سنة 1924الى عمان،ثم استقر في العقبة لمدة ثمانية شهور بعدها تم نفيه من قبل الإنكليز الى قبرص وبذا انتهت دولة الحجاز الهاشمية، وظل الحسين بمنفاه في قبرص حتى مرضه، ولما اشتدّ المرض عليه نُقل إلى عمان في اوائل عام 1931 حيث توفي في الثالث من حزيران عام 1931، ودُفن جثمانه في القدس الشريف، بينما كان ابنه الأمير عبد الله يحكم الأردن وفيصل يحكم العراق.
وفي تلك السنوات، ضمت بريطانيا الأردن تحت انتدابها بعد احتلال فرنسا لسورية سنة 1920، ثم عَيَّنت الأمير عبد الله حاكماً عليه سنة 1921، أما فيصل فقد عوضته بدل سورية العراق سنة 1921 وصار ملكاً عليه، وزال حكم الهاشميين عن العراق بعد ثورة عبد الكريم قاسم واستشهاد الملك فيصل الثاني في تموز عام 1958 .
وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا وتنكرت بريطانيا لكل وعودها للعرب الذين اكتشفوا أنهم اشتروا الوهم فلا دولة ولا استقلال ولكن فرنسا وبريطانيا قسّمت الدول العربية فيما بينها بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وخصّصت فلسطين لليهود ليقيموا عليها دولتهم, المفارقة أن هذه اللعبة تكررت مع العديد من الدول العربية عدة مرات بعد ذلك, كما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية، وحدث ايضا أثناء الحرب الباردة، ومازال العرب يهوون الرهان على الحصان الغربي الذي يطرحهم أرضاً في كل مرة .
وكان من أهم نتائج ثورة الحسين ابن علي استقلال الجزيرة العربية والشام والعراق وفلسطين ولبنان عن الدولة العثمانية، بعد حكم دام أربعمائة سنة، لم يحدث في أثنائه احتلال أوروبي لهذه الأرض، رغم وجود الإنكليز في المنطقة، وخاصة جنوبي الجزيرة العربية والخليج العربي ,وكذلك تشكيل خمس دول في المنطقة، وكيان يهودي مستقبلي، وانتهاءُ حلمٍ عربيٍّ بإقامة دولة عربية كبيرة موحدة, كما فَصَلَتْ الحدود التي رسمتها اتفاقية (سايكس-بيكو) هذه الدول عن بعض، وصارت مقدَّسة في عُرف قادتها، وغير قابلة للمحو أو التعديل, وقد لقي الحسين بن علي جزاءه على أيدي الإنكليز، ليس فقط بأن فقد حلمه في إقامة دولة عربية كبيرة، بل ضنَّ عليه الإنكليز بالبقاء حتى على الأرض التي حلم بإقامة دولته عليها مع وجود أبنائه ملوكاً وأمراء فيها , وبعد انتهاء الاستعمار البريطاني والفرنسي، بقيت الدول مُقامةً وفق اتفاقية (سايكس-بيكو) وتعديلات قوات الانتداب عليها، واستقلَّت في الأربعينات والخمسينات، وأُنشئ الكيان الصهيوني في المنطقة على أرض فلسطين 1948 وثم على بقيّة الأرض الفلسطينية واراض عربية اخرى عام 1967, وقد مضى على تلك الإتفاقية مائة عام حيث تعمل القوى العظمى والصهيونية على تغيير حدود ومسميات دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا تحت برامج ومشاريع مختلفة كالربيع العربي والشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد وجميعها تدور حول اهداف رئيسة أوّلها تكريس الكيان الصهيوني في فلسطين وتأمين درع واق له لسنوات طويله وثانيها حماية ما تبقى من حقول نفط عربية والإستفادة منها حين اللزوم وثالثها تحطيم القوة العسكرية العربية وعدم تمكينها من النهوض لسنوات عديدة ورابعها خلق النزاعات وعدم الثقة بين الدول والدويلات العربية وخاصّة المذهبيّة والطائفية منها وإذكاء الخلاف السنّي الشيعي بين العرب وإيران وكذلك إحياء القوميّات المختلفة كالأكراد والدروز والشركس والأرمن ودفعهم للمطالبة بالتحرر والإستقلال وهدف آخر هو محاولة إبعاد روسيا عن التحالف مع العرب او الإستفادة من الدول العربية مستقبلا وغير ذلك من اهداف خبيثة تعود على العرب بالوبال اهمها العمل على تقسيم الدول العربية الى دويلات وكيانات متفرقة ,
ولو كانت ثورة الحسين ابن علي قد قدِّر لها النجاح لما كان لتلك الأهداف سبيلا للتحقيق .
وفي عام 1921 بدأ تاريخ جديد فوق الأرض الأردنيّة تحت ظل الراية الهاشمية بقيادة الأمير عبدالله ابن الحسين ابن علي رحمهم الله وتحت اسم إمارة شرق الأردن حيث كان الأردن قبل ذلك جزءا من ولاية الشام التابعة للدولة العثمانية منذ عام 1516، وقد استطاع الهاشميّون من نقل المجتمع الأردني من مجتمع بداوة بسيط في عيشه وعلاقاته الى مجتمع حضري له مقوِّمات استطاع من تطويرها وتنميتها بفضل الأردنيِّين المخلصين لتصبح مقوِّمات دولة قانون ومؤسسات على مر السنين السابقة وحتى الآن .
أسس الملك عبد الله إمارة شرق الأردن في 21 نيسان 1921م عندما أقام أول نظام حكومي مركزي في مجتمع معظمه عشائري وبدوي, وطوال السنوات الثلاثين التالية، ركز على بناء الدولة، ووضع الأطر المؤسسية للأردن الحديث , وقد سعى إلى الحكم الذاتي والاستقلال، بإقامة شرعية ديمقراطية، وبوضع أول دستور للأردن في عام 1928عرف باسم المجلس التشريعي، وإجراء الانتخابات لأول برلمان في عام 1929م. وخلال هذه العقود الثلاثة أيضاً، عقد الملك سلسلة من المعاهدات بين إنجلترا وشرق الأردن، كان آخرها في 22 آذار 1946م بالمعاهدة الإنجليزية - الشرق أردنية التي أنهت الانتداب البريطاني وحققت لشرق الأردن استقلالا كاملاً ولتصبح الدولة باسم "المملكة الأردنية الهاشمية" في 25 ايار 1946م.
وكان اول مؤتمر شارك به الأردن مؤتمر قمة انشاص بمصر في 28 أيار 1946م بعد ايام من استقلال الدولة, خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948, وقد استبسل الجيش العربي الأردني في الدفاع عن القدس وأجزاء أخرى من فلسطين, وقد نجح الجيش العربي في إلحاق الهزيمة بالقوات اليهودية في باب الواد واللطرون والقدس وحافظ على القدس الشرقية رغم الهجمات الإسرائيلية عليه, وانتهت الحرب في منتصف شهر تموز عام 1948م وبعدها جرى توقيع عدد من اتفاقيات الهدنة بين الأطراف العربية وإسرائيل في مؤتمر رودس, وبموجبها تم ترسيم حدود منطقة شرق الأردن مع فلسطين.
في 20 تموز 1951م توجه الملك عبد الله الملقب بالملك ألمؤسس إلى القدس لأداء صلاة الجمعة مع حفيده الحسين بن طلال, ليقضي شهيداً على عتبات المسجد الأقصى وعلى مقربة من ضريح والده الحسين بن علي.
في عام 1951 تولى الملك طلال بن عبد الله الحكم بعد استشهاد والده الملك عبد الله ، ولكن لأسباب صحية، لم يتمكن من الاستمرار في الحكم، فأعفي جلالته، بعد أقل من سنة، من العرش، في 11 آب 1952، كان الإنجاز الأكبر للملك طلال اصدار الدستور الأردني في الثامن من كانون الثاني عام 1952 وقد تولى بعده ابنه الأمير حسين ملكاً دستورياً على الأردن.
تسلم الملك حسين سلطاتة الدستورية رسميا في الثاني من شهر أيار عام 1953, من مجلس وصاية على العرش, لكون الحسين وقتها اقل من17 عاما ولم يكن يبلغ السن القانونية للحكم حسب دستور 1952 وهي 18 سنة قمرية, وبقي في الحكم لأكثر من ستة واربعون عاما حتى توفي رحمه الله بمرض السرطان في عام 1999.
ففي الثاني من ايار عام 1953م، وبعد بلوغ الملك حسين السن القانونية، تسلم سلطاته الدستورية, وتولى الملك حسين الحكم في بلد لا موارد لديه، مكبل بمعاهدة مع بريطانيا وتشكل المساعدات المالية البريطانية ميزانيته. ويترأس جيشه الجنرال البريطاني (جلوب باشا) وعدد من الضباط الإنجليز، وبدأت رحلة المتاعب التي لا تنتهي، وبلغ الخلاف بينه وبين جلوب مداه عام 1956م، حينما عجز الملك عن إقناع جلوب بترقية عدد من الضباط الأردنيين وتهيئتهم لقيادة الجيش في المستقبل، فكان أول قرار تاريخي يتخذه الملك حسين هو طرد الجنرال جلوب ومعاونيه من الإنجليز، وتعريب قيادة الجيش الأردني، وإنهاء المعاهدة البريطانية , وقوبل قرار الملك بارتياح عربي وتأييد شعبي.
ركز الملك حسين على بناء اقتصاد قوي وبنية تحتية صناعية لدعم مخططات التنمية البشرية، فتم تأسيس وتطوير الصناعات الرئيسية في الأردن مثل الفوسفات، البوتاس، الاسمنت، كما تم بناء شبكة مواصلات في كل أنحاء الأردن.
ويُعتبر الملك حسين رحمه الله واحدا من أقدم الزعماء العرب حكماً، فقد أمضى في الحكم 46 عاماً.
في عام 1958م، تم الاتحاد بين مملكتي الأردن والعراق تحت اسم الإتحاد العربي الهاشمي، وبعد خمسة أشهر من الوحدة، حدثت ثورة عبد الكريم قاسم في العراق واستشهد الملك فيصل الثاني ملك العراق، وانتهى بذلك حُكم العائلة الهاشمية المالكة بالعراق.
في عام 1964م، بدأ التوتر بين منظمة التحرير الفلسطينية والأردن. وحاول الملك حسين الاتفاق مع رئيس المنظمة، أحمد الشقيري، من دون جدوى الى ان تمت المصالحة قبل حرب حزيران في القاهرة.
في حرب حزيران 1967م، لم يكن الملك راغباً في دخول الحرب، ولكن عندما أدرك أنها واقعة، لا محالة، دخلها وفيها خسر الضفة الغربية, ومنها اتخذت المنظمات الفدائية من الأردن ساحة للمقاومة ، وفي أيلول 1970م حدثت المواجهة الشاملة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، وفي عام 1972م، اقترح الملك حسين مشروع المملكة العربية المتحدة بين الأردن والأراضي الفلسطينية التي تنسحب منها إسرائيل ولكن المشروع لم يرى النور , كما شارك الجيش العربي الأردني بناء على تعليمات القائد الأعلى للجيش الملك حسين في حرب 1973م الى جانب الشقيقتين سوريا ومصر.
في عام 1974م، وفي مؤتمر القمة الذي انعقد في الرباط، أقر القادة العرب بحضور الملك حسين أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكانت الموافقة عن اقتناع بأن المنظمة لابد وأن تشارك في أية مفاوضات تتعلق بالقضية, كما اشترك الأردن في تكوين مجلس الاتحاد العربي الذي ضم مصر والعراق والأردن واليمن, وفي 1988م اعلن الملك حسين قرار الأردن فك الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية ممهداً الطريق للفلسطينيين لإعلان دولتهم المستقلة في حالة انسحاب إسرائيل منها.
بعد حرب 1967م، لعب الملك حسين دوراً أساسياً في صياغة قرار الأمم المتحدة رقم (242) الذي ظل منذ صدوره يمثل مرجعية لكافة مفاوضات السلام اللاحقة, كما لعب دوراً محورياً في عقد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991م , ففي تشرين اول من عام 1991م شارك الفلسطينيون في مفاوضات مؤتمر السلام في الشرق الأوسط، الذي عقد في مدريد تحت رعاية الولايات المتحدة وروسيا، وتحت مظلة الوفد الأردني, كما تم عقد معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في 26 تشرين اول عام 1994م.
وكانت رحلة الملك حسين مع المرض طويلة، فقد صارع مرض السرطان على مراحل متعددة, ففي عام 1992م، تم استئصال إحدى كليتيه بعد إصابتها بالسرطان، ثم أُكتشف إصابته بالسرطان في الغدد الليمفاوية، وقد أجرى عمليتين جراحيتين في عام 1997م، ومر بست مراحل من العلاج الكيماوي ثم أجريت له عملية زرع النخاع الشوكي، عاد بعدها إلى عمان وبعدها بأسبوع واحد عادت أعراض المرض تظهر عليه، مما اضطره للعودة للولايات المتحدة، حيث أجريت له عملية زرع نخاع عظْمِي للمرة الثانية، ولكن صحته تدهورت بشكل كبير، مما استدعى نقله إلى الوطن يوم الخميس 4 فبراير 1999م, حيث توفي في صباح يوم 21 شوال عام 1419هـ الموافق 7 فبراير 1999م الساعة الحادية عشر وثلاث وأربعون دقيقة صباحاً بتوقيت عمان , وقد شيعت جنازته يوم 8 فبراير 1999م، وشارك في جنازته عدد كبير من زعماء الدول العربية والأجنبية حيث سميت جنازة العصر.
في عام 1999 تولى عبد الله الثاني بن الحسين المُلك بعد وفاة والده الملك حسين، حيث كان قد خلف عمه الأمير الحسن بن طلال في ولاية العهد قبل اسبوع من وفاة الملك الحسين، بعد أن بقى مدة 34 سنة وليا للعهد.
ينتمي الملك عبد الله الثاني إلى الجيل الثالث والأربعين من أحفاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وقد تسلم جلالته سلطاته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية في السابع من شباط عام 1999 اليوم الذي توفى فيه والده الملك الحسين بن طلال.
ولد الملك عبد الله الثاني في عمان في الثلاثين من كانون الثاني 1962م، وهو الابن الأكبر للملك الراحل الحسين طيب الله ثراه والأميرة منى الحسين, وقد تلقى علومه الابتدائية في الكلية العلمية الإسلامية في عمان عام 1966م، لينتقل بعدها إلى مدرسة سانت إدموند في ساري بإنجلترا، ومن ثم بمدرسة إيجلبروك وأكاديمية ديرفيلد في الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته الثانوية.
ويسير جلالته على منهج داعم لسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط, ولايجاد حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي حسب حل الدولتين , والمضي نحو مزيد من مأسسة الديمقراطية والتعددية السياسية, وعلى تقوية علاقات الأردن الخارجية، وتقوية دور المملكة في العمل من أجل السلام والاستقرار الإقليمي, وقد انضم الأردن في عهده، إلى منظمة التجارة العالمية، وتم توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع ست عشرة دولة عربية، وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، واتفاقية الشراكة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، لأرساء أساس لإدماج الأردن في الاقتصاد العالمي.
اقترن جلالة الملك عبد الله الثاني بالملكة رانيا في العاشر من حزيران 1993م، ورزقا بنجلين هما الأمير حسين الذي ولد في 28 حزيران 1994م، والأمير هاشم الذي ولد في 30 كانون الثاني 2005م، وبابنتين هما الأميرة إيمان التي ولدت في 27 أيلول 1996م، والأميرة سلمى التي ولدت في 26 أيلول 2000م , وله أربعة أخوة وست أخوات , ويحمل الملك عبد الله الثاني العديد من الأوسمة من الدول العربية والأجنبية,وهو مؤهل كطيار، وكمظلي في مجال الهبوط الحر بالمظلة, ومن هواياته سباق السيارات (وقد فاز ببطولة سباق الرالي الوطني الأردني)، وممارسة الرياضات المائية والغطس خاصة أنه قد تدرب على أعمال الضفادع البشرية، ومن هواياته الأخرى اقتناء الأسلحة القديمة.
ويسعى جلالته إلى تحرير الاقتصاد, كتخفيض عبء المديونية، وتقليص عجز الموازنة، وتبني سياسة اقتصادية تحررية، والاندماج في الاقتصاد العالمي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية، والقضاء على البطالة والفقر.
وفي ذكرى المائة عام على إنطلاق الثورة العربية الكبرى التي قامت على مبادئ الوحدة والنهضة العربية وسار الأردن على هذا النهج وانشأ جيشه نشأة عروبيّة وحافظ على مركزيّة القضية الفلسطينية وبقي حارسا على مقدساتها ووصيا على إعمارها ووقف مع الشعوب العربية في مختلف محنها وآوى اللاجئين والمشردين منهم والهاربين من القتل والدمار وكذلك المساهمة في محاولات التوفيق لحل الخلافات بين بعض الجماعات العربية المختلفة سابقا وحتى الآن ووقف دوما مع التوجه الوحدوي في جميع انحاء الوطن العربي وحافظ على الوسطيّة في مواقفه المختلفة وخاصّة في مشاركته في الحوار بين الأديان وحوار الحضارات والمؤتمرات الدولية المختلفة .
وينظر الأردن دوما الى تحقيق الحلم الأخضر الذي كان يراود الحسين ابن علي بالرغم من الظروف الصعبة المتّشحة باللون الأسود والأحمر التي تحيط بالعالم العربي الآن حيث اصبح حلم بعض الشعوب العربية بمنطقة خضراء خالية من الدمار والقتل .
واستطاع الأردن ان يتجاوز الأوضاع الملتهبة في الإقليم المحيط به نتيجة حكمة ووسطيّة فكر ومواقف قادته الهاشميّين ومواقفه المعتدلة وعلاقاته الطيبة مع الدول الأخرى وعدم تدخلّه في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وبالسعي لإصلاحات حقيقية دستوريّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة وتكريس المحبّة والوحدة بين نسيج المجتمع الأردني الواحد .
حمى الله الأردن ارضا وشعبا وقيادة وجنّبه جميع الأخطار وما يحيكه المتآمرون عليه والإرهابيّين وجميع الحاسدين والحاقدين .
احمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com
21 /5/ 2016