الرئيسية مقالات واراء
كلما كان الحديث عن تردي جودة سلعة أو خدمة معينة، "دبّ الصوت" مطالبة بتحسين "المواصفة القياسية" للسلعة أو الخدمة.
مؤسسة المواصفات والمقاييس تسعى جاهدة إلى الارتقاء بمستوى نوعية مختلف السلع والخدمات المقدمة للمواطن، وكان الأحدث ضمن ذلك ما يتعلق بمواصفة البنزين واللبنة وغيرهما، لتكون أفضل ما يقدم للمواطن والمستهلك في آن.
رئيس الوزراء د. هاني الملقي، أطلق أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، تصريحات مهمة تتعلق بدور المسؤولين، واصفا إياهم بأنهم خُدام للمواطن. وهو الكلام الذي استخدمه الإعلام وأبرزه كاعتراف بأهميته، وكونه تعبيرا حقيقيا عن فكرة أن العمل تكليف وليس تشريفا؛ ودور المسؤول هو خدمة المواطن والاستجابة لطموحاته.
لكن ما يقوله الرئيس أبعد ما يكون عن الواقع. وحتى ننجح في تطبيقه، علينا تحسين "مواصفة المسؤولين" أولا وآخرا. وأوضح دلالة على تراجع "مواصفة" المسؤول، غياب صورته عن ذهن الأردنيين عموماً، بعكس عقود سابقة عرفت حضور شخصيات أردنية مسؤولة، تركت أثرا إيجابيا في عقل المواطن ووجدانه. وهي الأمثلة التي صرنا نفتقدها الآن.
المهم أن المواطن لحظ، خلال سنوات طويلة ماضية، تراجعا في مستوى الخدمات المقدمة من المسؤولين على اختلاف قطاعاتهم، وتنوع أعمالهم. وشهد أيضا، سبباً لذلك، تدنيا في مواصفات المسؤولين عموماً؛ فصار لدينا وزراء الصدفة، ومديرون عامون من أصحاب الواسطات والمحسوبيات، كما تكاثر توريث المواقع.
كل ما سبق أدى إلى اتساع الفجوة بين المسؤول ومتلقي الخدمة من جهة أخرى، لدرجة لم يعد معها المتلقي يؤمن بجودة معايير اختيار بعض الوزراء والمسؤولين، كون مواصفاتهم أقل بكثير من طموحات المواطنين وأمنياتهم.
الحل، كما يبدو، هو أن ننيط المهمة بمؤسسة المواصفات والمقاييس، لاعتماد أرقى وأرفع "مواصفات المسؤولين" عالمياً، علنا ننجح في تغيير معايير التعيين في الموقع العام، وصولاً إلى ترجمة قول د. الملقي بأن المسؤولين ليسوا إلا خدما للمجتمع، في حين أن الواقع اليوم يقول عكس ذلك؛ فلا هم خدام ولا يحزنون، بل يرى بعضهم في نفسه نخبة المجتمع المستعلية في بعض الأحيان على المواطن والمجتمع ككل.
أهم مواصفة للمسؤول، علينا تطبيقها ابتداء، أن يكون مدركاً لحجم مشكلاتنا الحقيقي، واعياً بما يحدث في المجتمع من تغيرات خطرة، ومستوعباً لحساسياتها وتبعاتها. وأن تتوفر لديه، عقب ذلك، الإرادة والرؤية للعمل والتغيير، ضمن فهم أن المطلوب هو خدمة المواطن وليس مصالح وأجندات خاصة.
كما يجب أن يكون المسؤول نزيها نظيف اليد، قادرا على الوقوف في وجه الفساد؛ الكبير منه والصغير، وليس عاجزا عن اتخاذ القرار بهذا الخصوص خوفا، لأي سبب كان.
وعليه أن يحترم القانون، ويؤمن بضرورة سيادته، ليكون مثالا إيجابيا للآخرين. فتطاول مسؤولين كثر على القانون، ساهم في خلق ثقافة عدم احترامه، واستفحال مرض الواسطة والمحسوبية، وبالتالي تزايد الاختلالات في تحقيق العدالة، مع ما يتبع ذلك من شعور شعبي بعدم الرضا.
أيضا، القدرة على التنفيذ صفة مهمة مطلوبة في مسؤول اليوم، لأن غالبية الوزراء والمسؤولين يأتون ويرحلون ولا نأخذ منهم إلا كثيرا من التنظير، وفاتورة تقاعد تتضخم عاما بعد عام.
كذلك، فإن العمل بروح الفريق مواصفة مهمة غابت عن مسؤولينا لفترات طويلة؛ فلا يكاد المسؤول يجلس في موقعه حتى تبدأ الخلافات بينه وبين أقرانه. وغالباً ما يكون الوزراء غير متصالحين بشكل يمكنهم من خلق خلية عمل تصب، أولا وأخيرا، في صالح المجتمع والوطن.
مرة بعد مرة، نكتشف أن مواصفة المسؤول في تراجع. ولذلك أسبابه. والحل أن ندرس تجارب الدول الناجحة، ونستنتج مواصفات المسؤولين لديها، لنكتشف بعد ذلك لماذا فشلنا في تنفيذ الخطط والاستراتيجيات، وأين تم هدر المال العام، وكيف ضاعت حقوق دافعي الضرائب بالحصول على خدمات لائقة.