الرئيسية أحداث دولية

شارك من خلال الواتس اب
    هل ينوي ترامب التخلص من هيمنة أميركا للأبد؟

    أحداث اليوم - بالنظر إلى تاريخ الولايات المتحدة، خلال فترة من الزمن، فمن السهل رؤية المسار المدمر الذي صاحب توسيع الإمبراطورية الأميركية على مدار السبعين عامًا الماضية.

    خلال اشتعال الحرب العالمية الثانية، كان الاستراتيجيون الأميركيون يخططون خطواتهم التالية في الساحة الدولية. وسرعان ما تم تحديد الهدف الجديد في الاعتداء، وتم تمزيق الاتحاد السوفيتي. مع إنهيار جدران برلين ونهاية النموذج الاقتصادي للإتحاد السوفيتي، كبديل للنظام الرأسمالي، وجد الغرب نفسه في مواجهة مع ما تم تعريفه بنهاية العالم، وبدأ في التصرف طبقاً لذلك.

    من الانتقال الحساس من الثنائية القطبية، الذي كان فيه النظام العالمي، يرتكز على الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كقطبين، إلى نظام عالمي أحادي القطب، بواشنطن كقوى عظمى تحت قيادة جورج إتش دبليو بوش، والهدف الأساسي كان الاهتمام بالاتحاد السوفيتي السابق، في الوقت الذي غرق الاتحاد السوفيتي في الفوضى والفقر من خلال افتراس الغرب لمواردها.

    ومن غير المفاجئ، أن فترة التسعينيات مثلت مرحلة نمو اقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، وكما هو متوقع في هذه المناسبة، فضلت النخبة الوطنية انتخاب الرئيس بيل كلينتون، والذي كان أكثر اهتمامًا بالأمور المحلية عن الشؤون الدولية. وسعت أقلية من الذين يملكون أموال في تحسين الحظوظ الاقتصادية الأميركية من خلال توسيع النموذج المالي الغربي قدر الإمكان، وخاصة مع الأراضي الجديدة في الجمهوريات السوفيتيه السابقة.

    ومع تفكك الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، كان لدى الولايات المتحدة عقد من الزمن للتطلع إلى الهيمنة العالمية، وتم إعادة النظر من خلال مرور الوقت في فترة التسعينيات، وبدا الهدف قريب على بعد خطوة.

    وتكونت وسائل غزو وتوسيع الامبراطورية الأميركية في الأساس من خلال 3 مجالات: “الثقافة، والاقتصاد والعسكرية”. مع نهاية إمبراطورية الاتحاد السوفيتي، لم يكن هناك بديل متوفر للنظام الرأسمالي الإمبريالي الأميركي. من وجهه نظر التوسع الثقافي، ولا توجد لأميركا أي منافسين ويمكنها الآن التركيز على تدمير الدول الآخرى بفضل عولمة المنتجات مثل ماكدونالدز وكوكا كولا وغيرها.

    بالطبع كانت النتائج المترتبة على توسيع نطاق التاثير الثقافي هو زيادة قوة النظام الاقتصادي، في هذا الأمر، كانت هيمنة واشنطن في المؤسسات المالية الدولية تستمر في فرض طريقة أميركا في الحياة في الدول الأخرى، وبسبب آليات التقشف التى نشأت من فخ القروض من البنك الدولى، فإن الدول التى تعاني من مشكلات اقتصادية غرقت في الديون.

    ومرت العديد من الدول بمأساة الانهيار الاقتصادي بسبب الالتزام بالخصخصة، ومنح الشركات الأجنبية الحق في استخدام مواردهم الأولية، وتعتبر هذه الشركات تابعة للغرب، مثل هذه النماذج الاقتصادية تسببت في وباء التمويل والمضاربة، وزادت من قوة همينة النظام الرأسمالي على بقية العالم، وليس من الصدفة إنشاء منظمة التجارة العالمية في 1995، والتي فرضت شروط على التجارة والتي أيدت القوى الأوروبية والإمبراطورية الأميركية.

    وفي حال فشل الضغوط الاقتصادية والثقافية، اختارت واشنطن العدوان العسكري، ويعتبر العمل الحربي أحد أوضح أشكال سوء المعاملة، وتكون عادة للدول التى ترفض الامتثال للتوجهيات الأطلسية، وفي هذا الشأن، وفي نهاية حكم كلينتون، تغيرت اللهجة الرئاسية من الميل نحو التركيز على الاقتصاد إلى العدوان على الدول ذات السيادة.

    وكانت أول ضحية هي الصومال، ثم بعد وقت قصير تم تفجير صربيا وتفكيك يوغوسلافيا، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ أميركا الحديث، حيث أعطى التوسع الاقتصادي والثقافي وسيلة لسيادة القنابل المدمرة والصواريخ.

    وعلى الرغم من أن تفكيك يوغوسلافيا كان ناجحًا، فإن صورة أميركا في العالم بدأت تتضاءل، ومنها قيادتها الثقافية، العمليات العسكرية دائمًا لها عواقب في سير العلاقات الدولية.

    في نهاية التسعينيات، وعلى الرغم من أنه لم توجد أي دولة في موقع للمقاومة الثقافية، والاقتصادية والعسكرية ضد واشنطن، فإن أول أفكار للحليف البديل للتكتل الغربي بدأت في الظهور. وعلى الرغم من أن أميركا كانت ترى الخطر فإنها لم تغير اتجاهها وكانت ملتزمة كما كانت بفكرة الهيمنة الثقافية، والتى أصبحت أوضح كنتيجة لتوسع الإنترنت، وكذلك تأثير العولمة الاقتصادية، وقرار تسريع ثالوث الضغط الثقافي والاقتصادي والعسكري تم التعبير عنه بفوز مثير للجدل لجورج بوش في العام 2000.

    كان على خليفة بيل كلينتون أن يصبح رئيس برؤية عسكرية قوية، وقدرة عالية على توسيع نموذج العولمة الاقتصادية، وشعور كبير من الوطنية لنشر الدعاية الأميركية لكل شكل ثقافي محتمل في كل مكان في العالم.

    وكان الهدف النهائي من تطويق الصين وروسيا ودول أوراسيا هو السيطرة على مواردهم، وهكذا بدأت مهمة غير مؤكدة، والتى تتطلب انتخاب رئيس يتوافق مع مشروع القطب الواحد للنظام العالمي الجديد والذى أنشئ من قبل النخبة.

    وفي السنوات التالية، وبفضل هجمات 11 سبتمبر، فإن واشنطن كان لديها الطريقة المثلى لنشر حروبها وارهابها لكل العالم، وشهد العدوان الاقتصادي دفعة أخرى بظهور اليورو في المجال المالي، وأدى وجود الإنترنت وزيادة قوة الترابط إلى تسريع العولمة، وأدى لمركزية قوة اتخاذ القرار في أيدي قلة من الأشخاص.

    ولكن على الرغم من ظهور التوسع الاقتصادي والثقافي للولايات المتحدة، وكذلك الحرب المستمرة في العراق في 2003 وأفغانستان 2001، فإن حلم مسيرة النصر نحو الهيمنة العالمية أصبح يعاني من النكسات.

    وبدأت العوامل التقتصادية والاجتماعية أن تكون غير كافية، ولذلك تتطلبت حلول عسكرية كما في أفغانستان والعراق، وظهرت جدية الإمبراطورية الأميركية بشأن التوسع شرقًا، موسعة طموحاتها وتأثيرها. وفي هذه المسيرة الثقافية والاقتصادية والعسكرية تجاهلت واشنطن وقللت عواقب أفعالها بسبب موقعها المميز كقوى عظمى، وهو ما يعتبر خطأ إستراتيجيًا والذي سيكلف أميركا وحلمها في الهيمنة الدولية.

    وبدأت أشكال مقاومة أوراسيا في الظهور في منتصف التسعينيات، بداية بإنشاء منظمة تعاون شنغهاي في 1996، ثم باتحاد أوراسيا الاقتصادي في العام 2000، وهما ما تسببا في تغيير مجرى التاريخ على مدار عدة سنوات تالية.

    وبفضل نتائج ضغوط العولمة أصبحت جمهورية الصين جامعه للثروات، وستتحول سريعًا على مدى 15 عامًا للقوة الاقتصادية الأولى عالميًا، ومن ناحية أخرى وبعد عقد من الصعوبات والمجاعة انتخب الاتحاد الروسي الرئيس فيلادمير بوتين، وبفضل موقفه القوى تجاه الاقتصاد وتصميمه لتنشيط الدور العسكري لموسكو، ففي 15 عامًا تمكن من وضع موسكو لتكون قوة عظمى.

    وفي النهاية فإن عهد بوش تسبب في تدهور أميركا بسبب حربها عل العراق وأفغانستان، ووضع بوش الأساس لعملية توحيد القوى المعارضة للإمبريالية الأميركية وأجبرهم على إصلاح علاقتهم. وكذلك تسبب في توحيد أعداء واشنطن، وبدأت الجبهة الداخلية الأميركية في إظهار علامات للاضطرابات الاقتصادية والعسكرية، وهزن الحربين رأي العالم الغربي، ما أجبر النخبة على اقتراح مرشح يركز على الاحتياجات الداخلية.

    وكان أوباما أبرز مرشح، حيث كان لديه ميل أقل للحروب من بوش وحاجته لإصلاح النظام المالي الذي خرج عن السيطرة كان واضحًا، وفشل في كلا الهدفين وتسبب في جر العالم إلى صراع غير منتهٍ وأعطى السيطرة على مقاليد السلطة التقتصادية إلى العمليات المالية العالية. وزاد من قوة البنك الفيدرالي والبنوك الخاصة تحت حكم أوباما، ووصل الأمر إلى تحديدهم بشكل مباشر النظام الديمقراطي للدول الحليفة مع أساليب مختفة مثل الانتشار أو القدرة على طبع النقود بفائدة صفر. وبدلاً من تنظيم الآليات المالية الفاسدة، زاد تأثيرهم. وبدلًا من محاولة التوسط مع الدولة العدائية، فإن أوباما شرع في مهمة بناء أمة وتغيير النظام والثورات، باستخدام طرق وخيارات مدروسة.

    وأجبر أوباما على تبني تقنيات زعزعة الاستقرار لإخفاء الغرض منها في أعين الشعوب دون إغفال رؤية الأهداف التى تم إنشاؤها من قبل النخبة في أوائل التسعينيات. وأصبحت طريقة عمل أوباما تعتمد على الطائرات دون طيار والتلاعب الاقتصادي وثورات الربيع العربي والعقوبات والحرب الإلكترونية.

    ويبقى العامل الأساسي هو إمكانية إنكار التدخل المباشر في الحروب الضارة لصورة الولايات المتحدة الأميركية وتوسعها الاقتصادي والثقافي والعسكري المستمر، ومن هنا يمكن رؤية هذه التقنيات في 2010 في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا وانتشار المضاربة في بعض الدول الأوروبية وهجمات الطيارات من دون طيار في أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال. دون ذكر مئات من القوات التي تنتمي للقوات الخاصة والمنتشرة في 5 قارات والانقلاب الممول والمنظم من قبل أميركا في أوكرانيا.

    وظلت إدارة أوباما تسارع الهيمنة العالمية من خلال أدوات المبادلة، ولكن التأثيرات والأسباب ظلت كما هي أو حتى أسوأ من الإدارات السابقة، وفي الوقت ذاته، فإن الاتحادات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين أكبر 3 دول من معادي الإمبريالية “ايران – الصين – روسيا” سرَعوا من التحالف الاستراتيجي كأداة للردع ضد الهيمنة الأميركية.

    الحرب في سورية إلى جانب تفاقم الأزمة مع روسيا، والتوترات مع الصين في بحر الصين الجنوبي، والموقف العدواني تجاه إيران، تسبب في تسريع تآكل القوة الأميركية. والأسباب الرئيسية تمثلت في فشل النموذج الثقافي المفروض من خلال ثورات الربيع العربي، والانقلاب الاقتصادي في أوكرانيا، واستحالة التدخل العسكري المباشر في سورية. وفي خلال عقد من الزمن وجدت أميركا نفسها أمام واقع لا يتوافق مع خطة الهيمنة العالمية.

    ويلائم فوز ترامب هذا السيناريو فهل ينوي رئيس أميركا التخلص من الهيمنة العالمية للأبد، أم أن هذا مجرد توقف مدروس من قبل النخبة؛ لإعادة بناء الجيش والسير نحو الهيمنة العالمية في 2020؟.

    ويعد هذا السؤال مهمًا، من الصعب التنبؤ بالمسار الذي سيتبعه الرئيس المنتخب، وسيؤكد الوقت فقط هل سنستمر في عالم به الكثير من الأقطاب والقوى العظمى أم هذا الوقت سيكون فقط مرحلة انتقالية للعودة إلى اللحظة التي كانت تأمل فيها أميركا أن تكون قوى وحيدة.-(التقرير)





    [01-12-2016 01:35 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع