الرئيسية مقالات واراء
مع انطلاق أعمال البرلمان في دورته الأولى، شهدت علاقة النواب مع الإعلاميين توترا، على خلفية لقطات مصورة للنواب تحت القبة، وأخبار وتغطيات، عدها نواب كثر منحازة وغير منصفة بحقهم، وتعديا على ما اعتبروه خصوصيات.
دار نقاش طويل ومفيد، حسب رأيي، حول موضوع الخصوصية هذا. وبصرف النظر عن وجهات النظر المتباينة بين الفريقين، فإن الآراء التي طُرحت من الجانبين تُغني المدونة الإعلامية الأردنية الفقيرة بالاجتهادات المعرفية في مثل هذه المواضيع.
لكن في مجرى هذا النقاش، خرجت بعض الآراء، ومن الجانبين، عن سكة الحوارات الصحية، وسقطت في باب المناكفات وتبادل الاتهامات، والإساءات أحيانا.
ومثلما أظهر الإعلاميون، من مختلف المؤسسات والاتجاهات، تضامنهم مع زملائهم المصورين، وقف النواب، من مختلف المشارب، إلى جانب أقرانهم الذين نالت منهم اللقطات المصورة، خاصة النساء في البرلمان. فقد شعر غالبية النواب أن صورتهم مهددة إذا ما استمرت وسائل الإعلام تعاملهم بهذه الطريقة، وسينعكس هذا بالضرورة على مكانتهم عند قواعدهم الانتخابية، والأخيرة هي أعز ما يملك النواب.
علينا، أولا، أن نحدد طبيعة العلاقة بين النواب ووسائل الإعلام في هذه المرحلة، والتي يمكن وصفها بمرحلة التعارف. النواب في أغلبيتهم جدد، ولا يملك الكثيرون منهم خبرة في التعامل مع وسائل الإعلام، لا بل إن لبعض الإعلاميين خبرة تفوق خبرة نواب في العمل البرلماني.
والإعلاميون يتعاملون مع نواب لم يختبروهم بعد، وجلسات الثقة لم تكن سوى إطلالة أولى للنواب على جمهورهم عبر وسائل الإعلام. وأعتقد أن وسائل الإعلام، التقليدية والحديثة منها، انشغلت أكثر من اللازم بالمسائل الثانوية، ولم تقم بواجبها في تحليل مضمون الخطاب النيابي، وتعريف الجمهور بأولويات النواب، خاصة الجدد منهم. وإن كنت ما أزال على قناعتي بأن اللقطات المصورة للرسائل تحت القبة لا تندرج تحت بند الخصوصية.
إن مصلحة وسائل الإعلام بناء علاقة تشاركية مع مجلس النواب قبل غيره من السلطات. لقد دفعنا في الماضي ثمن تأليب النواب على وسائل الإعلام، ولا بد أن كثيرين يتذكرون كيف اصطف برلمان سابق إلى جانب الحكومة في تمرير تعديلات تشريعية تحد من حرية وسائل الإعلام، بسبب تغطيات إعلامية مهينة من وجهة نظر النواب.
وعلى النواب أن يدركوا أيضا أن التأزيم مع وسائل الإعلام سيرتد سلبا عليهم في نهاية المطاف. وهذا ما تؤكده تجارب سابقة. هناك حاجة، إذن، لترسيم قواعد العلاقة، وتجاوز انطباعات المصافحة الأولى تحت القبة. ويتعين على النواب أن يتفهموا دور الإعلام الرقابي، وحقه في نقل المعلومة والصورة للجمهور، على نحو متوازن موضوعي. ومهما قلنا أو فعلنا، سيظل هناك إعلام غير مهني وغير أخلاقي أحيانا، ينشط خارج المنظومة الرئيسة والمعروفة للإعلام الأردني.
نحن على قناعة بأن النواب، ومع مرور الوقت، سيُظهرون تفهما أكبر لدور وسائل الإعلام، حتى في تلك اللقطات المسروقة تحت القبة، للرسائل المتبادلة. وربما يصبحون أكثر حنكة، بحيث تمر مراسلاتهم من دون أن تلتقطها عدسات المصورين.