الرئيسية أحداث دولية
أحداث اليوم -
كانت أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس فرصة كبيرة للتغيير بعد نجاحه في عقد المؤتمر السابع لحركة “فتح”، ولكنه بددها، بالنظر الى النتائج التي تمخض عنها المؤتمر، والمداولات التي جرت في اروقته، او في الغرف المغلقة، وهوية الحضور ومعايير اختيارهم، وردود فعلهم.
اللجنة المركزية الجديدة للحركة ظلت على حالها، باستثناء اخراج بعض خصوم الرئيس عباس ومعارضيه منها، واحلال وجوه جديدة مكانها مثل صبري صيدم، وروحي فتوح، ودلال سلامة (المرأة الوحيدة)، وسمير الرفاعي، واحمد حلس، العدو اللدود للنائب محمد دحلان، الذي شكل منافسا قويا له حتى في ذروة تحالف الأخير مع الرئيس سياسيا.
الرئيس عباس ضمن بانتخابه بالتصفيق الحاد في بداية المؤتمر رئيسا لخمس سنوات البقاء في جميع مناصبه القيادية الخمسة المعروفة، مثلما ضمن أيضا تثبيت قراره بفصل النائب دحلان وكل أنصاره، واجتثاثهم كليا من الحركة، وهو الهدف الرئيسي والابرز لعقده هذا المؤتمر.
سيدخل المؤتمر السابع تاريخ حركة “فتح” بأنه الأكثر بهتانا وركودا، فقد جاء خاليا من أي مفاجآت، ودون أي “نجوم”، باستثناء الرئيس عباس نفسه الذي القى خطابا استمر “ثلاث” ساعات، في الديجيتال والتويتر والفيسبوك، امتلأ بالنكات والقفشات، وحظي بالتصفيق وقوفا عشرات ان لم يكن مئات المرات، وقوطع بالهتافات الحارة (بالروح بالدم نفديك يا عباس) من قبل الأعضاء، ولا نعرف كيف سيكون الحال لو استعاد الرئيس عباس القدس وباقي الأراضي المحتلة، واقام الدولة الفلسطينية المستقلة.
التحديات التي ستواجه الرئيس عباس وانصاره ستبدأ في “اليوم التالي”، أي بعد انفضاض الأعضاء وعودتهم الى مناطقهم، فالاهتمام الشعبي الفلسطيني بالمؤتمر كان ضعيفا جدا، ووجود ممثلين عن الفصائل الفلسطينية مثل حركتي “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” لا يضفي شرعية على المؤتمر ونتائجه، بقدر ما يسحب من شرعية هذه الفصائل وشعبيتها، خاصة عندما تتفجر الخلافات لاحقا.
ربما يعتقد كثيرون ان ما يتردد عن عزم النائب محمد دحلان تنظيم مؤتمر مواز للحركة يضم المفصولين والمعارضين في القاهرة او غيرها من العواصم العربية، هو الخطر الأكبر الذي يواجه القيادة الفتحاوية، والرئيس عباس شخصيا، وهذا الاعتقاد ينطوي على بعض الصحة، لان الرئيس عباس جمع معظم هؤلاء الأعضاء المشاركين بالمال والرواتب، وخصومه “الدحلانيين” سيجمعون اعدادا اكبر بسلاح المال نفسه، لانهم يملكون الكثير منه أيضا، ولكن ما لا يتوفر لدى الطرفين المتخاصمين الاجندات السياسية، وبرامج العمل الوطنية لمواجهة الاحتلال، فلا فرق حقيقي بينهما، الامر الذي ربما سيفتح الميدان لبروز “الخيار الثالث” بقيادة مجموعة من الشباب الساخطين ليس في حركة “فتح” وحدها، وانما في الفصائل الأخرى إسلامية كانت ام علمانية، والبدء في تشكيل “مرجعية” فلسطينية جديدة.
علاقات الرئيس عباس ليست جيدة مع اربع دول عربية رئيسية يمكن القول ان اثنتين منهما محوريتان، ونعني مصر والأردن، فالاولى الدولة الأهم عربيا وتحد قطاع غزة وفلسطين التاريخية، والثانية “عنق الزجاجة” والممرر الرئيسي الوحيد للضفة الغربية المحتلة الى العالم الخارجي، علاوة على اثنتين أخريين وهما الامارات والسعودية، يملكان المال الذي لا يستطيع الرئيس عباس الاستمرار في موقعه بدونه، ويمكن ان يعزز أيضا خصومه.
لا يستطيع الرئيس عباس ولجنته المركزية الجديدة، مقاومة هذا المحور الرباعي، ثقيل الوزن، سياسيا وماليا وجغرافيا، بأجنداته والسياسات الحالية المتبعة، أي التنسيق الأمني مع الاحتلال، والتعزية بشمعون بيريس كما لو انه احد افراد الاسرة الأعزاء، او بالتعطش شوقا للعودة الى المفاوضات العبثية المهينة، وانما بتوحيد الشعب الفلسطيني خلف خيار المقاومة بأشكالها كافة، وجعل ثمن الاحتلال مكلفا جدا، ولا توجد أي مؤشرات تصب في هذا الاحتمال.
ربما يكون الرئيس عباس خرج “قويا” من هذا المؤتمر في نظر أنصاره ومريديه، الذين يزينون له هذا الانتصار، ولكن الحقيقة التي لا يجادل الكثيرون حولها، انه خسر الكثير من قوته، او ما تبقى منها، وربما شرعيته أيضا، واهتمام العالمين العربي والدولي بقيادته، وقضيته الفلسطينية العادلة، ويمكن اثبات هذه الحقيقة بالنظر الى التغطية الإعلامية المحدودة جدا، وحجم المشاركة للوفود الأجنبية، ونحن لا نتحدث هنا عن الاعداد، وانما عن الوزن والتأثير.
وضع حركة “فتح” الرائدة واعضائها، في ذروة الصعوبة، فقد بات هؤلاء امام خيارين: اما معسكر الرئيس عباس، او معسكر النائب دحلان خصمه اللدود، الامر الذي يعكس مأساة هذه الحركة التي بلورت المشروع الوطني الفلسطيني وقادته طوال نصف القرن الماضي، وقدمت آلاف الشهداء، وثبتت الهوية الفلسطينية، ولكننا نجزم بأن هذه الحركة القيادية تتجه نحو التآكل والضعف، لان “فتح” الحالية ليست “فتح” التي يعرفها الشعب الفلسطيني واحبها بكل الوان طيفه السياسي والعقائدي والمناطقي.
دار ابي سفيان الفتحاوية لن تبقى على حالها لمدة طويلة، او هكذا نعتقد.. والأيام بيننا.
“راي اليوم”