الرئيسية مقالات واراء
دونالد ترامب واضح؛ سياسات إدارته لن تشذ عن برنامجه الانتخابي، هذا إذا جاز أن نسمي ما كان يقوله بالبرنامج. الشؤون الخارجية ستشغله بمقدار ما يفيض من أوقات سيكرسها "لإعادة بناء بلدنا"، على ما صرح قبل يومين. حتى الشخص الذي اختاره لإدارة السياسة الخارجية رجل أعمال مشهود له في عقد صفقات تعود بالمنفعة على الاقتصاد الأميركي.
مقاربته بشأن سورية فارغة من أي مضمون. لا يهمه استمرار الأزمة أو حلها. كل ما يعد به الشعب السوري، خيام وبطانيات ودواء وغذاء لملايين المهجرين واللاجئين، في مناطق آمنة ينوي إقامتها على حساب دول الخليج العربي.
هكذا يصرح بترفع، ويعد على حساب جيوب الآخرين، وكأن قدر السوريين، وفق رؤية ترامب، أن يعيشوا أمد السنين في مخيمات داخل مناطق تحميها الطائرات الأميركية. وحتى هذه الحماية لم يشر إليها صراحة، وربما ينتظر مساومة الخليجيين للتكفل بمصاريفها أيضا.
لم ينتظر حتى ليسأل إن كانت الدول الخليجية الغارقة بأزماتها الاقتصادية مستعدة للإنفاق على مخيمات اللجوء. ولم يفكر بسؤال السوريين، بكل فرقهم، إن كانوا مستعدين حقا لخيار العيش في المخيمات.
ذلك السلوك وتلك التصريحات تعكس خواء سياسيا، سيزيد العالم فوضى فوق فوضاه، ويعقد أزماته فوق تعقيدها وكارثيتها.
لكن المشكلة هي أن ترامب يؤمن بأن ما يقوله هو بالفعل سياسة قابلة للتطبيق، وسيعمل لجعلها واقعا معاشا، من دون أن يلحظ أي دور للقوى الأخرى واللاعبين المحليين في ميدان الصراع.
مناطق آمنة في سورية من دون حل جذري، سياسي بالطبع، للأزمة، يعني في طبيعة الحال مناطق استثمارية للتنظيمات المتطرفة. فهل من خيارات لبشر مشردين عن بيوتهم، ويعيشون في خيام بانتظار بركات المجتمع الدولي وإكرامياته، غير خيار المحبطين واليائسين؟ وها هو "داعش" وأخواته من التنظيمات المتطرفة جاهزون لتوفير الأدوات والوسائل للتعبير عن هذه الحال.
عندما كان الصراع في سورية أقل سوءا مما وصل إليه حاليا، لم يكن بوسع القوى الدولية تطبيق فكرة المناطق الآمنة. الولايات المتحدة ذاتها ناقشت الأمر في البداية، ثم استبعدته من قائمة خيارتها. تركيا ناورت طويلا لفرض المبدأ، ولم تلق مساعدة من حلف "الناتو"، فاستبدلته بخيار التدخل العسكري المنسق مع الروس، لتطويق الكرد، وتخفيف الضغوط على جبهتها الداخلية. والنتائج في هذا المضمار ما تزال متواضعة، بالنظر إلى العمليات الإرهابية التي تضرب في العمق التركي يوميا.
المجتمع الدولي بكل هيئاته وأمواله، عاجز عن توفير المساعدة الإنسانية الكاملة للاجئين في الأردن وتركيا ولبنان، ولا يستطيع الوصول لعشرات الآلاف من اللاجئين في الركبان. وحال اللاجئين في هذه المنطقة داخل الأراضي السورية يعطينا المثال على الأوضاع المزرية التي سيكون عليها السوريون في مناطق ترامب الموعودة برعاية خليجية.
اللافت في تصريحات ترامب هذه المرة أنه تجاهل دور روسيا في سورية، وهو حتى الأمس القريب كان يراهن على تعاون مع بوتين، لطي صفحة الماضي. مقاربة ترامب ساذجة إلى الحد الذي لا يتذكر الرابط بين ما يصرح به بالأمس وما يقوله اليوم.