الرئيسية مقالات واراء
بقي أبو يحيى يقلّب القنوات المحلية مستمتعاً بالأغاني الوطنية التي تبث تباعاً ؛ بعض الأغاني كان يسمعها حتى آخر جملة موسيقية فيها ، وبعضها كان يكتم الصوت أو يغير القناة منذ أن كشف كلماتها الأولى أو إيقاعها المبالغ فيه..أزاح صحن «البطاطا الحلوة» من أمامه وقرّب صحن برتقال أبو صرّة وقال بصوت مسموع «الشغلة بدها ديرة بال».. يحيى و شايش و شلاش المتخندقين تحت حرامات «الدبّ» والمنتشرين في زوايا الغرفة..يستمعون بانتباه شديد لكلام الوالد..وبعد صمت دام برهة عاد أبو يحيى موجها الكلام لأم يحيى: يعني هاظ اللي قاعد بيجيب وبيأجر بهالبناية والله ما بندري منين قرعة أبوهم..بكرة بدي أسأله منين هظول المستأجرين عندك؟؟..أم يحيى وهي توازي ورق السبانخ وتقارب بين السيقان:هي يا زلمة..لا تبلش..شو بدّك بالناس؟؟..صرخ أبو يحيى وحاجبه الأيمن يرتفع بغضب :كيف شو بدي بالناس؟ بلكي اللي مستأجر بحارتنا مطلوب ،بلكي عليه نقطة بالأمن، بلكي بده يساوي «لُكّه» يا «فرتينية» ساعتها بده ينفعنا ابن تركية ؟؟..رفعت أم يحيى غطاء رأسها بظاهر كفها وهي تتمتم: لا حول ولا قوة الا بالله...أخرج أبو يحيى باكيت الجلواز من جيب ثوبه وقال: لازم الواحد يكون عنده حسّ امني يا مرة..ما صارلهاش أسبوع السولافة!!..شلاش وبصورة مفاجئة يؤيد والده بشدّة: أنا مع أبوي لازم الواحد يكون عنده حسّ امني و «حربقة» وفتاحة...شايش باندفاع أكبر: والله لو ألاقي واحد منهم هظول «لأمرمرط نياعهم مرمطة « و»أقضبهم من هون من خنّاقهم وأبربدهم بربدة»...في هذه الأثناء تمدد الخزّان العلوي بفعل الماء المتدفق اليه من الحنفية فأحدث قرقعة عالية.. يحيى: طيب قبل ما «تبربدهم» قوم اطف الحنفية شكله تعبّا الخزان...شلاش:قوم أنت... أم يحيى تحمل أوانيها بعد ان أنجزت المهمة الموكولة إليها بأمانة وتدخل إلى المطبخ، بينما تبرّع أبو يحيى المشحون عاطفياً صاحب الهمة العالية بإغلاق الحنفية من المحبس الرئيس، وضع الفروة على كتفيه وأمر الأولاد أن يطفئوا الصوبة قبل النوم ويخرجونها إلى الصالون..
كل واحد من الأولاد أخذ زاويته المعتادة من الغرفة استعداداً للنوم ، دقت الساعة الثانية عشرة ليلاً ، المطر يطرق على زينكو بيت الدرج الخارجي،النواسة البرتقالية تزيد من رتابة الليلة الهادئة ، يحيى يؤمم وجهه شطر الحائط، شايش يغفو على ظهره ويضع يديه عل صدره مثل المومياء..شلاش يتخيّل..يتخيل الدهان الذي حول النوّاسة على شكل وجه مرعب، ويتخيل المطر صليات رصاص.. يأخذ نفساً عميقاً من الخوف ، يتقلّب..لا يطيعه قلبه على النوم..يقف، يزيح الستارة قليلاً..ينظر من النافذة في الظلام نظرة خاطفة..يرى جسماً يتحرّك..يرتعد يغلق الستارة ويحاول إيقاظ يحيى موشوشاً:
شلاش: وك يحيى..يحيى...
يحيى: مالك؟
شلاش: اذا معك رصيد..دق ع 911
يحيى يرمي الحرام جانباً: شو فيه؟
شلاش: شفت واحد بقاعة الدار..لابس على ظهره اشي اسود ومغطي راسي فيه..وبمشي شوي شوي..
يحيى: جراباته مفوتهن جوا السروال الأبيض ؟
شلاش: آه ولك آه..يا الله دق ع 911
يحيى: روح نام بلا هبل..هاظا أبوك لابس الفروة و رايح يقنّي للشجرات..
-الرأي