الرئيسية مقالات واراء
رفعت الحكومة البريطانية مؤخرا السرية عن وثائق في أرشيفها تعود إلى مرحلة احتلال العراق للكويت العام 1990. ونشرت صحيفة "الحياة" اللندنية حلقتين (الثانية في عددها يوم أمس)، تلخص فحوى المناقشات التي جرت في تلك الفترة بين المسؤولين والدبلوماسيين البريطانيين من جهة، والزعماء وكبار المسؤولين العرب، وبشكل خاص المغفور له الملك الحسين، والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، واليمني السابق علي عبدالله صالح، إلى جانب ملوك وأمراء دول الخليج.
لا تضيف البرقيات المفرج عنها الكثير على هو معروف من مواقف هؤلاء الزعماء حيال الأزمة، والانقسامات العميقة بين معسكرين عربيين حول أفضل السبل للتعامل مع مغامرة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
لكن التفاصيل التي تتضمنها الوثائق تسمح بإجراء معاينة دقيقة، ولو بأثر رجعي، لمواقف مختلف الأطراف؛ إضافة إلى معلومات وتقديرات لم تكن متاحة لعامة الناس من قبل حول مواقف الزعماء تجاه بعضهم بعضا، وتجاه الأزمة ذاتها.
أردنيا، يكشف تقرير للسفير البريطاني في عمان السير أنتوني ريف، عن خلاف واضح بين الملك الحسين من جهة وولي عهده الأمير الحسن ووزير الخارجية مروان القاسم من جهة أخرى، في الموقف من صدام حسين. يقول السفير في برقيته إن الملك الحسين ينوي العمل على خفض التصعيد، ويقترح حلولا وسطية، من قبيل تنظيم استفتاء شعبي لتقرير مصير الكويت. بينما يرى الحسن والقاسم أنه لا بد وأن يلتزم العراق بتطبيق فوري لقرار مجلس الأمن رقم 660، والقاضي بانسحاب القوات العراقية من الكويت فورا. ولاحظ السفير أن الحسن الذي أصبح أكثر نضجا في هذه الأزمة، كان مهموما بتداعيات "الكارثة الاقتصادية" التي حلت بالأردن والمنطقة بعد احتلال الكويت. أما الملك، فقد بدا غير آبه بتراجع مكانته عند دول عربية رئيسة يحسب لها ألف حساب. والقول للسفير البريطاني.
وتسجل برقيات أخرى الانتقادات اللاذعة التي كان يوجهها حسني مبارك للملك الحسين، بسبب موقفه "المساند" لصدام حسين، حسب وصف مبارك. وهي بنفس قوة الانتقادات التي كان يقولها بحق الرئيس اليمني عبدالله صالح، الذي وصفه مبارك بـ"الشاويش".
أمراء دول الخليج كانوا غاضبين من الملك الحسين. وتنقل برقية عن أمير الكويت المبعد قسرا عن بلاده قوله إنه يجد صعوبة في فهم موقف الملك الحسين من الغزو العراقي للكويت، بعد كل المليارات التي ضختها الكويت في الاقتصاد الأردني.
وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل كان أقل حدة في انتقاده للأردن، وتنقل الوثائق عنه القول: "إن الأردن سيخسر إذا ربح العراق، وسيخسر أيضا إذا خسر العراق".
إن تلك الأزمة، وإن كان قد مضى عليها أكثر من ربع قرن، وطوى التاريخ رموزها، فإن ما تركته من آثار وتداعيات على المنطقة العربية، ما تزال ماثلة حتى يومنا هذا، تستدعي من خبراء السياسة وصناع القرار الوقوف على تفاصيلها، وطرح الأسئلة الرئيسة لاختبار صحة الفرضيات التي قامت عليها مواقفنا في ذلك الوقت.
لعل أهم الأسئلة التي تشغل البال أردنيا هو: هل الموقف الرسمي الأردني هو من قاد الشارع لمساندة صدام في غزوه للكويت، أم أن الموقف الشعبي المنحاز عاطفيا للعراق هو الذي جر خلفه الدولة بكل مؤسساتها؟