الرئيسية مقالات واراء
نشرت "الغد"، أمس، تقريراً عن أبرز نتائج استطلاع للرأي أجراه "المعهد العربي الأميركي" في واشنطن العاصمة مؤخراً، لقياس درجة التطرف والعنف في المجتمعات العربية والمسلمة، وأعلن نتائجه مدير المعهد د. جيمس زغبي، في الإمارات العربية المتحدة قبل أيام.
شمل الاستطلاع العديد من المؤشرات، وخرج بنتائج عن 7 دول عربية، هي السعودية والإمارات وقطر وعمان والأردن ومصر وتونس. ونقلت لنا الزميلة إيمان الفارس (في تقريرها) أبرز ما يتعلّق بالرأي العام الأردني، وفي مقدمتها أنّ 75 % من العينة يرون أنّ الجماعات المتطرفة تحمل أفكاراً تحريفية عن الإسلام، و1 % فقط يرون أنّ هذه الجماعات لم تنحرف عن فهم الإسلام.
وهناك أسئلة أخرى مهمة في الاستطلاع، ومؤشرات متعددة. لكن تبقى المشكلة الرئيسة لديّ في القراءة، هي الخشية من تبسيط قضايا معقّدة جداً بلغة أرقام لا تستطيع بالضرورة اختزال المضامين والدلالات، تضعنا أمام نتائج غير موثوقة ولا أكيدة، ثم نبني عليها تحليلات واستنتاجات. وكل ذلك على أرضية متحرّكة، ليست صلبة!
دعونا نأخذ، مثلاً، السؤال عن تطبيق الشريعة. فهناك 60 % مع وجوب تطبيق "روح الشريعة"؛ فما المقصود بهذا المصطلح؟ يمكن أن يفهمه كلّ كما يريد، إذ هو مصطلح فضفاض يبدأ من محمد عبده، شيخ التجديد في العصر الحديث، وقد يصل إلى أقصى التيارات المتشددة. وذهب 15 % إلى أنّ الشريعة يجب أن تطبق في السلوك والإيمان، وهي أيضاً عبارة فضفاضة. أما البقية (25 % تقريبا) فرأوا ضرورة أن تحكم الدولة وفق مؤسسات مدنية من دون "الشريعة"، وتتولى السلطات الدينية في مسائل الأديان.
كيف يمكن أن أترجم نتائج هذا الاستطلاع؟! هل نشعر بالاطمئنان لأنّ الأردنيين منفتحون ويتحدثون عن روح الشريعة، ما يشي بالتطوير؛ أم نخشى أنّهم متطرفون يرون تحكيم الشريعة الإسلامية، فيما هناك نسبة 25 % فقط يرون ضرورة أن تحكم الدولة بمؤسسات مدنية بعيدة عن الشريعة، فيما تتولى السلطات الدينية مسائل الأديان؟!
وما علاقة ذلك بالتطرف والإرهاب؟! في الثقافة الإسلامية العامة، والمدونات الفقهية، وخطب الجمعة، والخطاب الإسلامي عموماً، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وفي الثقافة الشعبية، لا يوجد من يقول من العلماء والفقهاء المعتبرين بعدم تطبيق روح الشريعة في الحياة العامة، وحتى الخاصة! فليست القصة هنا، بل في كيف يكون تطبيق الشريعة، وكيف نفهمها أولاً.
المعركة الكبرى في العالم العربي والإسلامي اليوم هي "معركة التأويل"؛ إذ يمكن أن تُفهم الشريعة وفق رؤية حضارية منفتحة متقدمة، وهوية متقبلة للآخر، تنظر إليه بوصفه شريكاً إنسانياً، يمكن أن نقف معه على أرض مشتركة، أو هوية مأزومة عصابية، مثل هوية "داعش"، تنظر للآخر، حتى المسلم السني، الذي يختلف معهم فضلاً عن الشيعة والغرب والأديان الأخرى، بوصفه خصماً وعدوا!
وكذلك الحال بالنسبة لعلاقة الدين بالحكم؛ فهناك من يرى بإقامة الخلافة نظرياً، لكنه عملياً لا يسعى إلى ذلك. وهناك من يرى أنّ الدولة الإسلامية هي الدولة المدنية، وآخرون يرون تطبيق الشريعة من خلال إقامة الحدود. وقد عدد عبدالإله بلقزيز في كتابه "الدولة الإسلامية" قرابة 5 نماذج متباينة، وفي أحيان متناقضة لهذا المفهوم، فعن أي تطبيق شريعة نتحدث؟! وما علاقة ذلك بالمؤسسات المدنية؟!
خلاصة القول: من الخطأ، وربما الخطيئة، القفز إلى النتائج والخلاصات، وفق أرقام صمّاء، من دون معالجات نوعية، وعملية عصف فكري؛ وفوق هذا وذاك إدراك أنّنا في أتون أزمة معقدة في العالم العربي والإسلامي، تجعل من المفاهيم ملتبسة وفضفاضة وغائمة!