الرئيسية مقالات واراء
بدا واضحا من الشريط المصور الذي أصدره تنظيم "داعش" أمس، حجم الغضب من دور تركيا في حلب، ومساهمتها الفاعلة، إلى جانب روسيا، في التوصل إلى تسوية أفضت إلى انسحاب مقاتلي المعارضة السورية من شرقي المدينة.
الدور التركي لم يتوقف عند هذا الحد؛ فقد اشتغلت الماكينة التركية الروسية بسرعة وقوة لفرض وقف إطلاق نار شامل في عموم سورية، استثنى منه تنظيمي "داعش" و"فتح الشام"، وبدء مفاوضات تجمع ممثلين عن المعارضة والنظام السوريين، بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
وقبل هذا وذاك، كانت تركيا قررت الطلاق البائن مع التنظيمين الإرهابيين، بعد سنوات من العلاقات الوثيقة.
الشريط المصور كان بمثابة غطاء سياسي لتبرير العملية الإرهابية في إسطنبول ليلة رأس السنة؛ لا بل وما سبقها من عمليات مماثلة. لكن الأخطر من ذلك أن المرافعة الداعشية تنطوي على تحريض مبرمج على تركيا، تستنفر عناصر التنظيم هناك لتنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية. وهي، من جهة أخرى، تكشف مأزق التنظيم الإرهابي، بعدما أغلقت في وجهه البوابة التركية، وبات مستهدفا من كل الأطراف والدول التي تقاتل في سورية؛ على الأرض ومن السماء.
يستحيل على تركيا أن تعود إلى المقاربة القديمة مع سورية؛ فكل المعطيات تغيرت ميدانيا وسياسيا. المصالح التركية هي التي استوجبت هذه الاستدارة التي تصل حد الانقلاب على مواقفها السابقة، سواء من النظام السوري أو روسيا وإيران.
وليس أمام أنقرة من خيار سوى الدخول في مواجهة مفتوحة مع أعدائها في الداخل وفي الخارج. وهم، حسب التصنيف الأردوغاني، حزب العمال الكردي، وتنظيم "داعش"، وجماعة فتح الله غولن.
وضع المجموعات الثلاث في سلة واحدة، يساعد حكومة أردوغان في تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين بذريعة مكافحة الإرهاب؛ وهو ما يمنحها الدعم الشعبي اللازم لخوض هذه المواجهة، بما تترتب عليها من أكلاف باهظة.
التحدي هو أن المجموعات الثلاث تملك حضورا في الداخل التركي لا يقل عن حضورها الخارجي. الآلاف من المناصرين لداعش من مختلف الجنسيات، يختبئون في جوف المجتمع التركي. والكرد جزء أصيل من تركيبة المجتمع، ولهم من المقاتلين على الأرض ما يكفي لشن حرب استنزاف طويلة المدى. أما جماعة فتح الله غولن، فهي الأخرى متغلغلة في مؤسسات الدولة رغم حملات التطهير، وتشكل تحديا سياسيا أكثر منه أمنيا للحكومة التركية، وبمقدورها إثارة المتاعب دائما.
ليس هناك من شك أن تركيا ستفوز في حربها على الإرهاب. لكن من الصعب تخيل ذلك على الجبهات الثلاث في وقت واحد.
إن معركة تركيا مع تنظيم "داعش" على وجه التحديد، لا تقل خطورة عن معركة القوى الدولية معه في سورية والعراق. قيادة "داعش"، على ما ظهر في الشريط المصور حول تركيا، ستحاول بأكثر الطرق إيلاما ووحشية الضغط على تركيا لتراجع موقفها ودورها في الحرب ضد الإرهاب.
ولذلك، ينبغي على كل الأطراف العربية والدولية المعنية بهزيمة التنظيم الإرهابي، إظهار دعمها لتركيا كي لا نفقد دورها المحوري في الحرب على "داعش".