الرئيسية مقالات واراء
من سيدي بو زيد؛ مهد الثورة في تونس عاد الحراك الاحتجاجي في الذكرى السادسة للثورة على نظام بن علي. لم تشعر القطاعات العريضة من الشعب التونسي بتحسن في أوضاعها الإقتصادية، لابل ان المستوى المعيشي في تدهور مستمر، ناهيك عن الامتعاض الواسع من عودة رجال بن علي إلى واجهة السياسة من جديد.
المملكة المغربية اتخذت مسارا سليما للتغيير على خلاف مسار تونس الثوري، وبنت على خبرتها مع حكومات التناوب. لكن المسار الديمقراطي في المغرب يواجه مأزقا في الوقت الحالي، فبعد ثلاثة أشهر على الانتخابات التشريعية، لم يتمكن زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء عبدالإله بن كيران الفائز في الانتخابات، من تشكيل حكومة ائتلافية، وسط قلق شعبي من تسيب الإدارة الحكومية في المرحلة الانتقالية، وأوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة والتعقيد.
التحدي الذي أخفقت ثورات الربيع في مواجهته بنجاح هو الوضع الاقتصادي لقطاعات غفيرة من الناس، وهو في الأساس المحرك الحقيقي للثورات.
رغم اختلاف الوسائل التي انتهجتها الشعوب والدول في التغيير، إلا أن النتائج لم تختلف كثيرا. دعونا من نماذج "الحريق العربي"؛ ليبيا وسورية واليمن، ولنركز على دول مثل تونس والمغرب والأردن إلى حد ما.
ثمة تباين في الطرق التي سلكتها الدول الثلاث، لكن مع ذلك تبدو النتائج الاقتصادية لما تحقق من إصلاحات سياسية متواضعة.
قد يقول البعض إن الإصلاحات السياسية في المغرب أكثر عمقا من الأردن. ربما يكون هذا صحيحا من وجهة نظر البعض. وقد تكون تونس اليوم هي أفضل نموذج عربي لثورات الربيع العربي، مقارنة مع نظيرتها في مصر على سبيل المثال. الحكومة الحالية في تونس هي بالتعريف الأردني الدارج، حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين لحزب النهضة الإسلامي وحزب نداء تونس الليبرالي. أما في المغرب، فمن حكم لسنوات أربع ماضية كان حزبا إسلاميا، تحالف مع أحزاب علمانية. لكن الأوضاع الاقتصادية في الدول الثلاث متشابهة تقريبا؛ مديونية وفقر وبطالة وغلاء، وشعور عميق بالإقصاء الاقتصادي.
في آخر استطلاع رأي قال 45 % من الشباب التونسيين إنهم يرغبون في الهجرة إلى أوروبا. ولو توجهنا بالسؤال ذاته إلى أقرانهم الأردنيين لقالوا نفس الشيء، والأمر ذاته ينطبق على المغاربة، أكثر دول المغرب العربي توقا للهجرة في العقدين الأخيرين.
يشكو التونسيون، وهم على حق، من أن توسيع قاعدة النخبة السياسية في البلاد، وتداول السلطة بشكل ديمقراطي، بدا وكأنه مكسب كبير في البداية، والمظهر المبهج للتغيير في البلاد. لكن مع مرور الوقت أصبح الإنجاز الوحيد للثورة، ولم تنل من ورائه الجماهير الفقيرة أية مكاسب معيشية واقتصادية، فما فائدة الديمقراطية إذا لم تنعكس على حياة الأغلبية؟!
الأردن قطع شوطا في الإصلاح السياسي؛ تعديلات دستورية واسعة، قانون انتخاب جديد، وتشريعات أخرى. سيرد البعض بالقول إنها غير كافية. ليكن هذا. لكن الدول التي تجاوزت سقف إصلاحاتنا السياسية، لم تحصل على نتائج اقتصادية أفضل مما تحصلنا. كلنا عالقون في أزمات اقتصادية عويصة، لا نجد مخرجا لها في الديمقراطية والإصلاح.