الرئيسية مقالات واراء
حين يستمر ارتفاع النفقات الجارية من دون أي ضوابط، فتصل قيمتها إلى نحو 7.6 مليار دينار سنويا من إجمالي الإنفاق المقدر بحوالي 8.9 مليار دينار، نكون أمام واقع معقد، يُضعف الأمل في الحد من مشكلات الاقتصاد المالية على مدى سنوات مقبلة غير قليلة.
ضبط النفقات الجارية أو خفضها، هو مسألة "عويصة"، لكنها ليست مستحيلة. إذ تتوزع هذه النفقات، بحسب ما جاء في مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2017، على النحو التالي: 2 مليار دينار للجهاز المدني، و2.3 مليار للجهاز العسكري، و1.2 مليار للتقاعد والتعويضات، إضافة إلى مليار دينار فوائد دين.
أما النفقات الأخرى، فتذهب إلى دعم المواد التموينية التي تشمل الخبز والأعلاف، بقيمة 180 مليون دينار؛ و119 مليونا لدعم الوحدات الحكومية؛ و100 مليون للمعالجات الطبية؛ و72 مليونا للجامعات، إلى جانب 91 مليون دينار للمعونات المتكررة.
في بند النفقات الجارية من موازنة العام الحالي، يرد رقم ليس قليلاً، مقداره 360 مليون دينار، أُدرج تحت مسمى "تسديد التزامات سابقة"، تفسيره أن ثمة مبالغ أنفقتها الحكومة السابقة من دون أن تصدر فيها ملاحق موازنة، كما يقتضي الالتزام بالدستور، ناهيك عن الشفافية في الإفصاح.
ليس ذلك كله هو المشكلة وعنوانها، بل ثمة تفاصيل في أشكال الإنفاق تؤشر إلى أخطاء جسيمة في توجيهه. وهي تتعدد وتتنوع، لكنها جميعاً تعطي إشارات سلبية للمواطن دافع الضريبة؛ أن أمواله لا تنفق وفق سياسات حصيفة.
إذ حتى في ظل الأزمة، يستمر نمط الإنفاق ذاته، وكأن "العرس عند الجيران"! فالوزارات ومؤسسات حكومية ما تزال تنفق كأنما ليس هناك أزمة مالية خانقة تعصف بالاقتصاد؛ فنشهد زيادة في الإنفاق بدلا من ضبطه! والأدلة على ذلك كثيرة؛ سيارات الوزراء والمديرين من النوع الفاره ومن الأحجام الكبيرة التي لا يتم استخدامها حتى في دول ثرية؛ وقرارات تحديث أثاث مكاتب وزراء ومديرين من وقت لآخر.
في ظل تضخم الإنفاق الجاري إلى حدود غير مسبوقة تصعب معالجتها بوصفة سريعة، يلزم اتخاذ جملة من الإجراءات. أبرزها، وقف نمو فاتورة التقاعد؛ بحيث لا يخضع أي مسؤول، أياً كانت رتبته، للتقاعد المدني. أي وقف تعيين أي وزير أو موظف مهما كان منصبه على قانون التقاعد المدني، وشمول الجميع بقانون الضمان الاجتماعي.
وحتى نخلق للشباب فرصاً، إن بقي منها شيء؛ فلم تعد ترفاً المطالبة بإلغاء عقود الموظفين الذين تمت إحالتهم إلى التقاعد ثم أعيد تعيينهم بموجب عقود في العديد من الوزارات. هذا إلى جانب وقف المكافآت الموافق عليها بموجب قرارات مجلس وزراء، ما تزال تصرف لبعض الموظفين.
أيضاً، لم يعد ترفاً أو حتى فظّاً سحب السيارات من جميع الموظفين، وصرف بدل لمستخدميها. كما تخفيض عدد السيارات المخصصة لكبار المسؤولين، وشطب السيارات التي تزيد سعة محركاتها على "2000 سي سي".
وقد يبدو شططاً أو غير مقبول من قبل البعض، استرداد البيوت والفلل والعقارات والسيارات التي تحصّل عليها عدد كبير من رؤساء الوزارات والوزراء والنواب والأعيان ومختلف المسؤولين.
وفي إطار البحث في التفاصيل الصغيرة، إنما المستفزة للناس، لم لا يتم تحويل جميع المبالغ المخصصة لممثلي الحكومة في الشركات المساهمة إلى وزارة المالية؛ فيتم صرف مبالغ محددة للأعضاء بموجب نظام يسمى "مكافآت عضويات مجالس الإدارة"؟
وثمة باب آخر مفيد للخزينة، يتمثل بوقف إعفاء السيارات السياحية من الجمارك والضرائب، خاصة أن عددا كبيرا من المستثمرين في هذا المجال هم من الأجانب. وإلا فرفع رسوم ترخيص السيارات السياحية لتعويض الإعفاءات.
هذه بعض أفكار بشأن عدد من الإجراءات الممكنة لمعالجة مجموعة من أوجه التشوه في الإنفاق، والتي تزيد من حجم المشكلة ماليا؛ وأهم من ذلك أن فيها أثرا وقيمة معنويين لا يقدران بثمن.