الرئيسية مقالات واراء
صحيح أنّ التعديل الحكومي الذي تم أمس، جاء ليكون "مخرجاً" من أزمة الحكومة والبرلمان، والتي ولّدتها مذكرة حجب الثقة عن وزير الداخلية السابق سلامة حمّاد، وطلب الحكومة التأجيل. إلا أنّ فكرة التعديل كانت مطروحة على طاولة "مطبخ القرار"، بطلب من رئيس الوزراء، لكنها مؤجلة إلى ما بعد القمة العربية المفترضة؛ فما جرى هو تسريع التعديل المنتظر!
لا يحمل التعديل أي "رسالة سياسية" معينة؛ فدخول وزراء وإخراج آخرين لم يستبطن، في ذاته، دلالات وإشارات سياسية، بقدر ما خضع لاعتبارات أخرى، منها خيارات رئيس الوزراء شخصياً في العديد من الأسماء الجديدة، باستثناء بعض الوزارات التي كان لمراكز القرار دور أكبر فيها.
مع ذلك، تشكل لدى الحكومة الآن "فريق سياسي" أكثر قوة وشراسة، يستطيع أن يحملها سياسياً وإعلامياً، ويساعد الرئيس على مواجهة الضعف الواضح في البدايات، والذي أثّر كثيراً على صورة الحكومة لدى الشارع وفي مجلس النواب.
الشخصية البارزة هي د. ممدوح العبادي، المعروف بخبرته السياسية والنقابية والبرلمانية. وسيساعد الرئيس بالتأكيد على تبريد الأزمات مع مجلس النواب، وعلى تأطير خطاب سياسي للحكومة، وعلى مواجهة الشارع. ولا يقلّ عنه قدرة ولا حضوراً وزير الخارجية الجديد أيمن الصفدي؛ فهو يمتلك خبرات إعلامية وسياسية مهمة؛ إذ عمل مديراً لمؤسسات إعلامية، ونائباً أسبق لرئيس الوزراء في حكومة سمير الرفاعي، ومستشاراً للملك، وأخيراً مديراً لمركز تفكير واستشارات في الخليج. وبالرغم من أنّه وزير خارجية، فإنّ شخصيته تدفعه إلى المشاركة في التفكير والقرارات المتعلقة بالسياسات الداخلية أيضاً.
الصفدي والعبادي مع وزير الشؤون السياسية موسى المعايطة، سيشكلون وزناً سياسياً معتبراً، يضاف إليهم الوزير الجديد للتربية والتعليم د. عمر الرزاز، وهو ليبرالي إصلاحي، يأتي للمضي قدماً في برنامج إصلاح التعليم والمناهج، خلفاً لوزير التربية والتعليم.
ذلك لا يعني قفزة في الهواء في المناهج؛ فالرزاز ليبرالي معتدل ومتوازن، من زاوية؛ ومراكز القرار الأخرى، من زاوية أخرى، ستكون "حساسة" تجاه الإصلاحات المطلوبة، بعد موجة الاحتجاجات الكبيرة في المرحلة السابقة.
الخبر الجيّد بقاء أغلب الفريق التكنوقراطي الذي أحسن أعضاؤه في أعمالهم ونشاطهم، مثل وزراء الطاقة والبلديات والمياه والأشغال، ما يخلق حالة من الاستمرارية والتواصل في السياسات، بالإضافة إلى وزير الإعلام الذي عمل بصورة متميزة على "تبريد" المواجهات بين الإعلاميين والحكومة، من خلف الكواليس، ويمتلك نفساً طويلاً في التعامل مع الانتقادات والخلافات مع الحكومة من قبل كتّاب الأعمدة والصحفيين.
بالرغم من كل هذه الإيجابيات، فإنّ هناك سلبية قاتلة في الفريق الحكومي الجديد، تتمثّل في غياب أي هوية سياسية واضحة للحكومة. فالفريق السياسي القوي ليس متجانساً، بل مختلف إلى أبعد الدرجات في منظوره للسياسات الداخلية والخارجية. وبالرغم من دور الحكومة المحدود اليوم في السياسة -للأسف طبعاً- فإنّ وجود فريق سياسي "صقوري" في حكومة محدودة سياسياً، ضمن المواصفات الجديدة، مع غياب التوافقات والتفاهمات على هوية الحكومة ورسالتها السياسية، سيؤدي غالباً إلى ظهور الخلافات منذ الأيام الأولى للحكومة، وربما تمزّقها بين أجندات سياسية متباينة!
الخلافات الشخصية السياسية أمر طبيعي وصحّي بدرجة معينة، بالضرورة. لكن ذلك مشروط بوجود رئيس وزراء قادر على خلق الانسجام والـ"هارموني"، بين أعضاء الفريق؛ وخلق الرأي الغالب على الحكومة. فهل يمسك الرئيس بالمبادرة ويزيل الشكوك الكبيرة، وقد أسهم هذه المرّة أكثر في اختيار أعضاء فريقه؟
أمّا "الاتجاه الإصلاحي النائم" في الحكومة، مع دخول الرزاز إليها، فسنخصص له مقالة أخرى.