الرئيسية مقالات واراء
احمد حسن الزعبي
ولأن الأم هي جدران البيت، وصوت الحياة، هي خط الدفاع الأول عن الأولاد، وخط الهجوم الأول على من يتجاوز حدوده على هيبة الأب.. وهي أول من تصحو في العائلة وآخر من ينام..فقد كانت كذلك «كريمة مختار» أمّا حقيقية تختصر كل ما سبق، وكانت أول من تصحو عليه ذاكرتنا الجميلة و آخر من تموت في مسرحية العيال كبرت..
المسرحية التي أضحكتنا كثيرا في ليالي الصيف الحارة حيث نجتمع جميعاً حول التلفاز الصغير الذي يهتزّ فوق كرسي الخشب كلما صرخ سعيد صالح، كان صوت الممثلين يتردد صداه في الحارة كلها، فلا قناة سوى القناة الحكومية، ولا خيار لدينا في الترفيه سوى ما تجوده علينا القناة الأولى..كانت العائلات تخرج أجهزتها أمام البيوت بعيد المغرب، تمدّ وصلة كهرباء طويلة، ثم تحضر المساند والوسائد لتحظى بسهرة تلفزيونية في الهواء الطلق.. كان الممثلون ما زالوا في مقتبل العمر والحياة وكذلك كان آباؤنا بنفس المرحلة..لم نكن قد خسرنا أيّاً منهما في معركة العمر الذي يمضي عنوة...لذا كنا نحفل في اللحظة ونحاول ان نخزّن الضحكة طويلاً في صدورنا مثل النيكوتين..لأننا نعرف أنه سيأتي يوم تصبح فيه الأماكن فارغة وخالية من جالسيها...مات المتفرجون، ثم مات أعضاء المسرحية تباعاً..مات أبي، مات أحمد زكي، وسعيد صالح،ويونس شلبي، وحسن مصطفى..وماتت أمي وأخيراً كريمة مختار...فصارت المسرحية شاغرة..واماكن المتابعين خالية..والضحك الشهي الفتي ضرباً من الماضي الذي لن يعود..
كريمة مختار لم تكن مجرد ممثلة ملتزمة وحسب، كانت أمّاً كاملة، صوتها وطيبتها وطريقة كلامها تذكّرنا بجيل الأمهات الطيبات اللاتي لا يعرفن الخبث أو الأنانية أو الكره.. جيل الأمهات اللاتي يصدّقن أكاذيبنا البريئة، يمسحن خطايانا دون اعتذار، الأمهات اللاتي لا يطيب لهن النوم إذا لم نفطر احدنا، و يقلقن علينا إذا ما غربت الشمس ولم نحضر..الأمهات اللاتي لا يعرفن الا الحب والعائلة والبيت الذي يعمرنه بقلوبهن وانشغالهن الدائم بين أركانه..
كريمة مختار لا يمكن أن ننظر لها الا من زاوية الأم، فهي لم تحفظ نصّاً لتؤديه في مسلسل أو مسرحيه، كانت تمارس أمومتها كما هي، تماماً كما تقوم بذلك أي امرأة مصرية أو عربية، لقد أحببنا وجه كريمة مختار لأنها تذكرنا بوجه أمهاتنا الغائبات، ووجه المرحلة وزمن الثمانينات..
أخيراً..رحلت العيال رحلت فرقة مسرحية العيال كبرت بضحكاتهم ومشاغباتهم و أرواحهم الخفيفة ومرحلتهم الصادقة الجميلة، ورحلت معها كذلك أيامنا الحلوة..
وداعاً..عائلة رمضان السكري
وداعاً «أم العيال» !!.