الرئيسية مقالات واراء
لا يسع الأردن أن يفعل الكثير لمنع إدارة ترامب من نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. ولا شك أن المسؤولين الأردنيين، على كل المستويات، يشعرون بالقلق والغضب من مجرد طرح الفكرة، ويدركون العواقب المترتبة على خطوة كارثية كهذه.
لكن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، ليس ككل الرؤساء السابقين. حتى بعد توليه رسميا مقاليد الحكم، لم يغير أسلوبه ومواقفه. ومن استمع لخطابه يوم التنصيب، سيدرك على الفور أننا أمام رئيس متهور، لا يقيم وزنا للتحالفات والصداقات، ويرى مصالح بلاده من منظار ضيق وانتهازي.
وهو رئيس لا يتورع عن تأزيم العلاقة مع أي دولة تختلف مع سياسته أو تعارض مواقفه. في السياسة الخارجية، اعتمدت إدارته مبدأ "فرض السلام بالقوة". ولا نعرف كيف سيترجم ترامب هذا المبدأ "الإمبريالي" في منطقتنا.
لكن أصبح واضحا للجميع أنه وبموازاة شعار "أميركا أولا"، يرفع شعار"إسرائيل أولا" كعنوان لسياسته حيال الشرق الأوسط. فقط إسرائيل وحدها التي ينوي ترامب تقديم كل ما تحتاجه من دعم من دون مقابل، بينما يشترط على دول المنطقة الأخرى دفع كلفة أي دور يمكن لواشنطن أن تلعبه في المنطقة.
الأردن سيكون في موقف محرج لا يحسد عليه. الولايات المتحدة هي الحليف الأول له، والداعم الأساس لموازنته التي تعاني مأزقا كبيرا. سنويا، يتلقى الأردن ما لا يقل عن مليار و600 مليون دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية. وليس مستبعدا أبدا أن تتخذ إدارة ترامب موقفا عدائيا من الأردن في حال تجاوز رد فعله على القرار المحتمل بنقل السفارة الحدود المقبولة، على الرغم من التحالف الوثيق بين البلدين.
كما لا يمكن للأردن أن يفكر بتقليص تعاونه مع واشنطن في مجال محاربة الإرهاب، لأن مصلحة الأردن في القضاء على الجماعات الإرهابية تفوق مصلحة أميركا.
وصحيح أن إسرائيل غير معنية أبدا بتعريض استقرار الأردن للخطر، لكن اليمين الصهيوني المنتشي بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، سيستثمر في أي خلاف أردني أميركي، لتعزيز طروحاته فيما يتصل بتصفية القضية الفلسطينية، ودفع الإدارة الأميركية إلى الضغط على الأردن لقبول تسوية تتعارض ومصالحه الوطنية العليا.
ليس ثمة أحد في العالم العربي اليوم مستعد لارتكاب أي خطأ مع إدارة ترامب. مصر تعول كثيرا على دعم واشنطن في مواجهتها مع الجماعات الإرهابية والإخوان المسلمين. دول الخليج مستعدة للتغاضي عن مواقف ترامب المعادية، مقابل التزام منه بالتصعيد ضد إيران، بوصفها "العدو الأول" لها.
وبالمعنى القانوني، فإن الدور الأردني في القدس يقتصر على الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وحمايتها، ولا يمكن توسيع نطاقه أكثر من ذلك، مع إدراك أكيد بأن الخطوة الأميركية بنقل السفارة، ستعني في نهاية المطاف، إضعافا لهذا الدور ليبلغ مستوى رمزيا.
أفضل ما يمكن فعله لإفراغ الخطوة من قيمتها السياسية، هو بالعمل مع مختلف القوى الفلسطينية للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة، تفوت على الإسرائيليين استثمار نقل السفارة لفرض واقع جديد في القدس وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الرد العربي المطلوب لمواجهة القرار الأميركي غير متوافر على ما يبدو. ولا أعتقد أن أحدا يفكر بتحميل الأردن أكثر من طاقته.