الرئيسية مقالات واراء
على مدى "الشوطين" الأول والثاني من عمر حكومة د. هاني الملقي، وكما تقول المعلومات، فإن الفريق الاقتصادي لم يجتمع ولو مرة واحدة. وبالتالي، لم تكن ثمة دراسة وتحليل معمقان للحالة الاقتصادية؛ في سبيل الخروج بأفكار تسعف الاقتصاد في ظل الظروف الحرجة التي يمر فيها.
الآن، بدأ ما يمكن وصفه بـ"الشوط الإضافي"، بخروج وزيري اقتصاد من الحكومة -د. جواد العناني الذي كان يرأس الفريق،
ود. يوسف منصور وزير الدولة للشؤون الاقتصادية- من دون دخول بدلاء لهما من وزراء جدد بحقائب اقتصادية.
وتقييماً لما تم على مدى الأشهر التي مضت من عمر الحكومة، يمكن القول إن فكرة الفريق الاقتصادي ما تزال غير حاضرة، وما يحدث لا يزيد عن كونه اجتهادات فردية لكل وزير في مجاله، بحيث ترى الأفكار متناثرة تقليدية، فلا تخرج كل الحلول المقترحة عن إطار سياسة الجباية. إذ يرى المراقب أن التركيز كان وما يزال على حصد مزيد من الأموال من قطاعات ومجالات تحصل منها الخزينة على إيرادات مرتفعة؛ ولا سيما قطاع الاتصالات، والمحروقات. فالضرائب المتعددة على الأول تصل في الإجمالي نسبة مرتفعة جداً؛ إذ تبلغ 48 %. وكذلك الحال بشأن البنزين الذي تفكر الحكومة بفرض رسوم جديدة مقطوعة عليه، مقدارها 5 قروش للتر، توزع على مرحلتين؛ ومثل ذلك تحصيل دينار من مشتركي الخلوي والإنترنت وفق معادلة معينة. وتتناسى الحكومة أن الضرائب المقطوعة هي أشد أشكال الجباية ظلماً تماما كما هو الحال مع ضريبة المبيعات.
ويمكن للحكومة، بعد أن حصلت على إقرار مجلس النواب لقانون الموازنة العامة لسنة 2017، أن تنفّذ الموازنة كيفما أرتأت؛ فلديها الشرعية التي تمكّنها من تحصيل مبلغ 450 مليون دينار الجاري البحث عنه، من أكثر من باب. وبغطاء نيابي، إذ ليست المشكلة في "كيف تزيد الإيرادات"، بل هي في "من أي بنود تزيد".
كذلك، بإمكان الحكومة المضي في إدارة الملف الاقتصادي كما عهدناها؛ فلا تغيّر طريقة التفكير حتى ترحل، ومن ثم ترحّل كل الملفات وكل المشكلات، لتأتي حكومة بعدها تبدأ بالحديث عن أزمات مُرحّلة من حكومة الملقي، تماما كما فعلت الأخيرة وسابقاتها بشأن كل الوزارات التي خلفتها.
إلا أن ما يمكن قوله هو أن لدى د. الملقي فرصة تغيير النهج وآلية التفكير، وبالتالي كل ماهية الحلول المقترحة، خصوصا أن حكومته صارت تضم اليوم بين أعضائها شخصيتين اقتصاديتين معترفا بهما من أهم المنظمات الدولية؛ أولاهما وزير الطاقة والثروة المعدنية د. إبراهيم سيف، الذي عمل باحثاً رئيسا لمعهد كارنيغي في الشرق الأوسط. والشخصية الثانية هي د. عمر الرزاز الذي تولى مواقع مهمة في البنك الدولي، إضافة إلى مواقع دولية أخرى مهمة. كما سيحصل الرئيس وفريقه الاقتصادي على خبرات الاقتصادي المخضرم د. زياد فريز، بصفته قائما على السياسة النقدية.
هكذا تكون الفكرة أن لدى الملقي فرصة تشكيل فريق اقتصادي حقيقي، قادر ابتداء على الشروع بحوار جدّي حول الأزمة وكيفية الخروج منها وفق منظور اقتصادي متماسك وفعال، وبما يفضي بالنتيجة إلى حلول لا تقتصر على سياسة مالية عمادها الجباية.
ومن هذه النواة، تتشكل تالياً فرصة الحكومة للخروج بتصور لمستقبل الاقتصاد، قابل لأن يكون بمثابة "ميثاق وطني اقتصادي" يحصل على مباركة مراكز القرار الأخرى.
لنبدأ بالخطوة الأولى في رحلة الألف ميل على طريق علاج عللنا الاقتصادية. إذ يجب، بالضرورة، أن يخضع هذا "الميثاق الاقتصادي" لحوار وطني، يؤدي إلى إقناع الجميع؛ أحزاباً ومؤسسات مجتمع مدني ونواباً ومجتمعاً ككل، بدعمه، بحكم التوافق على المبدأ والحلول التي يتضمنها. بغير ذلك، سنبقى نجترح حلولا سطحية؛ تسكّن الألم، لكنها لا تشفي من الداء العضال