الرئيسية مقالات واراء
ثمة تحذيرات وتنبيهات مهمة في البيان الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان. إذ يتحدث عن الفجوة بين الحكومة والشارع، ويحذّر من تفاقمها وتجذرها، ويضرب أمثلة عديدة عليها؛ ما يتعلق بحملات الاعتقالات –التي وصفها التقرير بغير المسبوقة- بعد أحداث الكرك الإرهابية الأخيرة، وصولاً إلى تشريعات أخرى في مكافحة الإرهاب واعتقالات على أساس هذا القانون لنشطاء سياسيين غير مرتبطين بتنظيمات أصولية، وقصة تولي الوظائف العامة، والجدل الكبير في العالم الافتراضي بشأن تفكير الحكومة برفع بعض الضرائب وأسعار سلع وخدمات، كما الحديث عن الفساد، وغيرها من قضايا مختلفة.
ويذكر التقرير أنّه لاحظ ارتفاع منسوب الحشد الإعلامي المتبادل بين الأدوات الحكومية والمجتمعية، وكذلك تزايد مؤشرات خطاب الكراهية واغتيال الشخصية والسمعة، في إشارة إلى تزايد حالة الاحتقان في المزاج الاجتماعي.
ما يهمني هو الخلاصة التي يصل إليها البيان، وتتمثل بـ"إعادة الاعتبار للرأي العام والتعامل مع الفجوة التي تتسع بين تطلعات وأولويات وتوقعات المجتمع وبين أولويات الحكومة وسياساتها عبر الحوار الشفاف وبأجندة اجتماعية اقتصادية أمنية متكاملة وعلى أساس الحفاظ على مبدأ الفصل والتوازن القائم بين السلطات في الدستور".
ولذلك، نصف البيان بالشجاع، لأنّ فيه جرعة نقد مهمة ورئيسة للسياسات الرسمية، ولتغليب المنظور الأمني على الاعتبارات الإصلاحية. والأهم من هذا وذاك الاستهتار وعدم الاكتراث بأهمية الرأي العام وبالحالة المزاجية للشارع، وهو "منهج رسمي" مقلق جداً على المدى البعيد، وله نتائج متراكمة سلبية جداً!
يمكن ملاحظة صعود "المنهج الرسمي" الرسمي الجديد في تجاهل الرأي العام بعد لحظة "الربيع العربي"، بصورة واضحة. إذ يبدو أنّ الشعور بالراحة لدى المسؤولين أصبح أقرب إلى الاسترخاء، لكنّ ذلك من المفترض ألا ينقلب إلى النقيض!
فمن الضروري أن نتذكر أنّ عبورنا ذلك المنعرج السياسي والتاريخي بأمان، كان بالدرجة الرئيسة بسبب حساسية "مطبخ القرار" الشديدة في عمان لصوت الشارع، وإصراره على احتواء الردود الغاضبة والمنفعلة لا إقصائها، بالرغم من أنّ سقوف التعبير وصلت في بعض الأحيان، خلال تلك المرحلة، إلى تجاوز الخطوط الحمراء سياسياً وأدبياً، واحتوت على إساءات وتجريح. فمع ذلك، امتصت "الدولة" تلك الانفعالات، ومضت بهدوء، وتجاوزت ما وقع فيه كثير من الدول العربية بأعجوبة شديدة بالنسبة للمراقبين، والمراهنين على وقوع الأردن فيما وقع فيه الآخرون.
لا يمكن التعميم، فحساسية "مطبخ القرار" تظهر في الأوقات المناسبة. ولاحظنا كيف يتدخل الملك بصورة مفاجئة ويطالب الحكومة بإعادة تقييم المبادئ والعمل على التخفيف على الناس. وهي رسالة معنوية ورمزية، بالدرجة الأولى، فحواها أنّ الملك يشعر بحجم الأزمة المالية وبالأعباء الموضوعة على كاهل المواطنين.
في المقابل، فإنّ مشكلة الحكومة أنّها لا تطبخ قراراتها بالصورة المطلوبة إعلامياً، ولا تكترث لردود فعل الشارع والرأي العام؛ فيشعر المواطنون وكأنّ الاستراتيجية المعتمدة هي "الصدمة والترويع" في التعامل مع القرارات الاقتصادية وفي ملفات أخرى.
في الخلاصة، ما هو مطلوب من الحكومة، كما ذكر بيان المركز الوطني لحقوق الإنسان، تحضير الرأي العام والاهتمام به، والتفكير في "طبخ" القصة الإعلامية والشعبية بالدرجة نفسها التي يتم فيها التفكير في القرارات الاقتصادية والمالية، لأنّ هناك شعوراً سلبياً متنامياً، ينعكس على مزاج الشارع بتجاهل الحكومة له!
ليس المطلوب، في كثير من الأوقات، أكثر من أن تقولوا المعلومات والحقائق بشفافية، واحترام عقول الناس والحوار العقلاني الموضوعي. فالقرارات المفاجئة والشعور بأنّ هناك شيئاً ما مخفيا، يؤديان إلى نتائج عكسية تماماً!