الرئيسية مقالات واراء
الدفعة الأخيرة من الأحكام التي أصدرتها محكمة أمن الدولة بحق المتورطين في التنظيمين الإرهابيين "داعش" و"النصرة"، جاءت مغلظة؛ إذ ارتفعت من السجن 5 سنوات إلى عشر سنوات، لمتهمين قاتلوا في صفوف التنظيمين، أو مروجين لفكرهما المتطرف.
الأحكام بالطبع متسقة مع نصوص قانون منع الإرهاب، وتقديرها يعود إلى قناعات هيئة المحكمة بمدى خطورة التهم الموجهة لهذه الفئة الخطرة من الإرهابيين.
كانت عملية الكرك الإرهابية نقطة تحول في تفكير مؤسسات الدولة بالخطورة التي تمثلها هذه الجماعات على أمن واستقرار الأردن.
في المرحلة السابقة، كان القضاء الأردني يأخذ بالأسباب المخففة عند إصدار الأحكام، لمنح المنتسبين أو المروجين للجماعات المتطرفة، فرصة مراجعة أفكارهم، والانخراط في المجتمع من جديد كأفراد صالحين.
لكن عملية الكرك، وحوادث أقل أهمية منها، أظهرت عكس ذلك. فمن بين المتورطين في هجوم قلعة الكرك، عناصر سبق أن صدرت بحقها أحكام مخففة في قضايا إرهابية، لكنهم بعد أن غادروا السجون، عادوا إلى ممارسة نشاطهم الإرهابي، لا بل اتخذوا مسارا أكثر خطورة، وذلك بالتخطيط لعمليات إرهابية داخل الأردن، بعد أن اقتصرت نشاطاتهم السابقة على القتال في الخارج.
من الآن فصاعدا، لن تقل عقوبة من يثبت تورطهم مع هذه التنظيمات عن 10 سنوات، ولن تكون هناك فرصة على ما يبدو لتخفيض العقوبة بعد استئنافها أمام محاكم أعلى. فالمؤسسة القضائية هي الأخرى وجدت أن واجبها في حماية أمن واستقرار البلاد، يتطلب تفعيل الحد الأعلى من العقوبة المنصوص عليها في القانون.
لكن المسار القانوني في الحرب على الإرهاب لا يعني، بالضرورة، إغلاق الباب في وجه مسارات أخرى، خاصة مع أولئك الأشخاص الذين يتم التغرير بهم فكريا، ومن هم من فئة المراهقين تحديدا، والعمل على إنقاذهم من الوقوع في الشر، لينتهي بهم المطاف في السجون، في رحلة مع الإرهاب لا يحمل صاحبها تذكرة عودة إلى الأبد.
ثمة دول عربية لا تتردد في إصدار أحكام الإعدام بحق كل من تثبت صلته بالجماعات الإرهابية. لكن ذلك لم يحدَّ من أعداد المنتسبين للتنظيمات الإرهابية، ولم يبدل في نوايا المصممين على تنفيذ عمليات إرهابية.
ليست مسؤولية القضاء بالطبع التدخل بشكل استباقي واتخاذ إجراءات وقائية؛ فمن ينتهي به المطاف أمام المحكمة عليه منذ الآن أن يتوقع حكما مشددا. لكن مسؤولية مؤسسات أخرى؛ أمنية وتعليمية وأسرية، العمل على إنقاذ الشبان الصغار قبل التورط في طريق نهايتها إما الموت قتلا أو السجن.
هناك المئات من الأردنيين الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الإرهابية. وبالأمس طالعنا في وسائل الإعلام قائمة تضم أسماء الصف الأول من الإرهابيين الأردنيين الذين يحتلون مراتب قيادية في تنظيمي "داعش" و"النصرة" (فتح الشام). مثل هؤلاء لا مكان لهم إن عادوا غير السجون المؤبدة، لما ارتكبوا من جرائم قتل.
التطورات في سورية تفيد بأن لا خيار أمام هؤلاء سوى الفرار أو الموت، كما قتل العشرات من قبل. لكن إرهابيي الداخل إن جاز التعبير، ليس أمامهم بعد انهيار معاقل إلهامهم، سوى التفكير بالتخلي عن أفكارهم الخبيثة أو مواجهة أحكام القضاء المغلّظة.