الرئيسية مقالات واراء
احمد حسن الزعبي
قام بإيقاف «بكمه» في ساحة ترابية تتبع لأحد الشوارع الخلفية للسوق ، ثم حمل كيساً من «الكنادر والحفّيات» المقطّعة ينوي إصلاحها من قبل أحد الاسكافيين الحداثيين الذي يستخدمون ماكنة كهربائية «ع الواقف»..مرّ من أمام العطّارين وقلائد الباميا المدلاة فوق رأس الباعة مثل «ذخيرة الكلاشنكوف» وبراميل من «الفازلين» الشفاف ، وأحجار لحفّ «الرجلين» وحنا و»زيت النملة» وغيرها من البضائع المعروضة في سوق العطارة..
فجأة قفز رجل أمام أبي يحيى بعكّازيه ورجله المجبّرة مخرجاً من جيبه ورقة تفيد انه مريض في السكري والضغط وتلّيف الكبد مختومة بختم غير واضح المعالم..قال بصوت محشو بالرجاء: «مساعدة لله»..قال له أبو يحيى: الله ييسّر عمي..لكن المتسوّل لم يقتنع بالجواب ،وظل مصرّاً على طلب المساعدة.. بينما أبو يحيى حاول الهاء نفسه بسؤال أحد الباعة عن الزعتر البلدي تارة وعن «الهيشي» تارة أخرى..شدّ المتسوّل جاكيت «ابي يحيى» طالباً مساعدة بإلحاح: حجي هات لله!!..قال له أبو يحيى من جديد: عمي قلنا الله ييسر لك صار لي 20سنة بشوفك بالسوق وبعطيك ورجلك بعدها ما جبرت.. كمان بعدك شب روح اشتغل يا أخي !!..بدأ الرجل بالبكاء المصطنع وأن لديه سبعة أولاد لا يوجد في بيته لا غاز ولا كاز ولا خبز ولا «حزم انترنت»..تجاهله ثانية أبو يحيى ومضى بطريقه وبيده كيس الأحذية التي يريد إصلاحها..اعترض المتسوّل طريقه ثانية ومدّ عكّازه أمامه: يا أخي بنقلك بدنا مساعدة اخجل عاد..!! وشرفي إذا ما طلّعت اللي فيه النصيب لأكسر البكم تبعك.. ترى بعرف وين بتصفّه !!..غضب أبو يحيى وصاح بوجهه: أنت بتشحد ولا يتهدد.. صرخ المتسوّل: لا تقول بشحد فهمت؟؟...هنا تدخّل أحد المارين حيث كان يرتدي بدلة رسمية أنيقة وحذاء لامعاً وظهر بمنتهى التهذيب...هدّأ أبا يحيى واعتذر منه وطيب خاطره مستنكراً طريقة الرجل العاجز وأسلوبه في طلب المساعدة..ثم ذهب إلى المتسوّل صاحب العكازين وقال له خلص ابعد الله يسهل طريقك وهاي «دينار»... أخذها الأخير وغادر...ثم رافق الرجل الأنيق الحجي وحاول ان يحمل عنه كيس الأحذية الا أن أبا يحيى رفض بشدّة وشكر ذوقه وأخلاقه العالية..وعند زاوية السوق اقترب صاحب البدلة من أبي يحيى وأخرج من جيبه فاتورة كهرباء و40 ديناراً وقال بنبرة صادقة وودودة:
الرجل الأنيق: شو بدي أقول يا طيب..كنت رايح أرجّع الكهربا كانوا قاطعينها عني.. قالوا لازم تدفع 50 دينارا وبنرجع لك إياها..لا حول ولا قوة الا بالله والله قسما بالله خجلان منك..لدّ معي 40 وظل 10 المشكلة عندي أولاد بالجامعة وامتحانات..والله اني خجلان منك..وإذا بدي أروح ع البيت وأرجع بلاقهم مسكّرين..
أبو يحيى: ولو يا خالي الناس لبعض تفضّل هاي 10دنانير..اذا بدّك أكثر جيرة الله موجود..
الرجل الأنيق: لا سلامة خيرك الأمور مستورة..انا بس بدي أخلص منهم اليوم ما كنت حاسب حسابي.. أمانة بدي تلفونك عشان أرجعهم..
أبو يحيى: له يا رجل..بيكفي أسلوبك وأخلاقك!!
الرجل الأنيق تناول العشرة بخجل وقال :بارك الله فيك..!
ثم صافحه وغادر..
تابع أبو يحيى طريقه نحو الاسكافي ، بينما تلاقى الرجل الأنيق بالمتسوّل صاحب العكّازين..وقال له: ظلّك باطح عشان ليرة..هاي أخذنا 10وهو مبسوط... ولك احنا متفقين ع المبدأ..بس مختلفين ع الأسلوب!.