الرئيسية مقالات واراء
بقدر كبير من الثقة يمكن للمراقب السياسي أن يقول بأن الأردن وبعد قمة الملك عبدالله الثاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، قد انخرط رسميا بعملية أستانة لاحتواء تداعيات الأزمة السورية، وصولا إلى حل سياسي لها.
وترجم هذا الانخراط بتصريحات لجلالته أيد فيها وبحرارة ما تمخضت عنه مباحثات أستانة، ودور روسيا المحوري في إدارة الأزمة، لا بل وتأكيد الملك على أن لاحل لأزمات المنطقة برمتها دون دور روسي.
ولن يقف دور الأردن عند حد الدعم السياسي لبيان أستانة، إنما يتعداه للبناء على ماسبق من تعاون في مجال فك الارتباط بين الجماعات الإرهابية والمعارضة المسلحة في سورية وتصنيفها، وتنسيق عملياتي وميداني لتثبيت وقف إطلاق النار على كافة الجبهات. وهاتان المسألتان هما النقطتان الجوهريتان في بيان أستانة.
ومن هنا يعتقد المراقبون بأن خطوط الاتصال بين عمان وقاعدة حميميم الروسية في سورية ستشهد نشاطا مكثفا في الأسابيع المقبلة.
لقد فرضت الحرب المفتوحة في سورية والعراق وما حملته من تحديات أمنية خطرة على الأردن صوغ مقاربة غير مسبوقة في تاريخ السياسة والدبلوماسية الأردنية، ضمنت دعم القطبين المتصارعين؛ أميركا وروسيا لاستراتيجية الأردن وضمان مصالحه العليا في المواجهة مع الجماعات الإرهابية.
وكان أداء الملك في هذا الميدان مذهلا للغاية؛ فقليل من دول المنطقة، إن لم تكن كلها، وقعت في فخ الاستقطاب الدولي والإقليمي باستثناء الأردن. فبعد ست سنوات من الأزمة الدامية مايزال الأردن يحتفظ بعلاقات وصلات قوية مع جميع دول الإقليم، والقوى الدولية الفاعلة، بمافيها النظام السوري وإيران أيضا.
تستطيع عمان اليوم أن تنسق عمليات مشتركة مع الجانبين الاميركي والروسي في نفس الوقت ضد الجماعات الإرهابية في سورية. وزيارة الملك الحالية لواشنطن لن تكون أقل أهمية من زيارة موسكو، لابل ربما تكون هذه الزيارة من أهم زيارات الملك للعاصمة الأميركية.
لماذا؟ لأن إدارة ترامب التي تولت سلطاتها منذ أيام فقط، تعكف على صياغة سياساتها تجاه منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها سورية.
أول من امس زار ترامب مبنى البنتاغون، وأمهل القادة العسكريين ثلاثين يوما لوضع خطة عسكرية لمحاربة داعش في سورية، وإقامة مناطق آمنة للاجئين.
أفكار ترامب في هذا الشأن غامضة ومتناقضة، لكنها وفي كل الأحوال سترتب مهمات ومسؤوليات على دول الجوار وتحديدا الأردن وتركيا.
مهمة الملك في واشنطن متعددة الجوانب؛ فهو من ناحية يود استكشاف تصورات الإدارة الأميركية الجديدة بهذا الخصوص، والتأثيرات المحتملة لها على الأردن، ومدى خدمتها لمصالح الأردن العليا. كما تمثل الزيارة فرصة مهمة للقيادات الأميركية، للاستماع لتقدير موقف من زعيم في المنطقة، يقف جيشه على خطوط التماس منذ سنوات، ويخوض حربا لا هوادة فيها ضد الإرهاب، ويتبنى رؤية حكيمة اختبرها في هذه السنوات الصعبة، لحل صراعات المنطقة.
لن ننتظر طويلا لمعرفة نتائج الزيارتين الملكيتين لموسكو وواشنطن، لأن آثارها ستظهر على السياسة الأردنية في القريب العاجل.