الرئيسية مقالات واراء
بسبب الانهيار الجبلي المفاجئ فجر الثلاثاء الماضي على طريق اربد عمان وتحويل حركة السير بشكل كامل، اضطررت إلى سلوك طريق جابر - المفرق -الزرقاء وهي للأمانة طريق مريحة جداً وبمسربين واسعين، وذات مطبّات قليلة، وبعد كل مطب هناك تجمع لباعة «الفراء الاصطناعية والأباطي والبقدليات « بأسعار منافسة كما أن برتقال «دم الزغلول» على جانب الطريق يباع بأسعار زهيدة، تسلّيت كثيراً برحلة الذهاب وحتى أعيش الجو تماماً وضعت «سي دي «لمحمد عبده وفجأة نبتت لي سكسوكة، المهم وصلت عمّان بعد ساعة و45 دقيقة وأول ما برز لي مبنى «عريفة مول» فرحت وسررت أيما سرور وأحسست أني شاهدت خالتي «عريفة» شخصياً، وفور أن نزلت من السيارة كانت رجلي اليمين «بتلوح لحالها» لكثرة ما دست على البنزين والبريك كما ان ظهري تقوّس من طول المسافة وأصبحت مثل احدب نوتردام..المهم أكملت أعمالي المعتادة وقبل المغرب بساعة كعادتي يممت وجهي شطر الرمثا الحبيبة ثانية، قلت خير طريق للرجوع هي نفس طريق القدوم..بالفعل ودّعت «مشاغل الأمن العام» و»عريفة مول» وماركة وكل المناطق التي لم تكن يوماً على خارطة طريقي اليومية..ونزلت إلى الزرقاء الغالية.
لكن أحياناً وبسبب كثرة الشواخص تتوه كما تتوه من قلتها، هناك سهم مستقيم يشير إلى جابر والى الزرقاء، تبعنا السهم، بعدها بـ10كم هناك سهم يشير إلى المفرق والزرقاء يمين، وسهم مستقيم يشير إلى الزرقاء والمفرق ..أخذنا المستقيم ومضينا، بعد 10كم هناك سهم يمين يشير إلى الحدود السعودية المفرق، وهناك سهم مستقيم يشير إلى المفرق الزرقاء ..أخذنا المستقيم أيضاَ...فوجدت نفسي في وسط المدينة محاطاً بمحلات الشاورما وزينة السيارات والبرادي والأزمة الخانقة ..على الإشارة كنت أقوم بنفس الفعل وأسأل نفس السؤال، أفتح نافذة السيارة وأسال من هو على يميني: «يا خوي طريق جابر وين»؟..فيرد بكلمتين اثنتين تدلاّن على كرم الأخلاق: « ظلك وراي»..تفتح الإشارة انطلق أنا بينما يظل الدليل أسيراً خلف سيارة خلاط الباطون..أتوه في المسارب والأزمات وأضيّعه، فأقع في أزمة جديدة «أفتح نافذتي» من جديد أسأل الذي على يساري ..»يا خوي بدي اروح ع الرمثا عن طريق جابر وين أروح»؟.. فيقول هو الآخر» ظلك وراي»..أرجوك اشرح لي أين أذهب «قل لي يمين يسار اشارة دغري قل..» وهو يتذكر مردّداً « اللهم صل على سيدنا محمد بدك تروح طريق جابر- طريق جابر- طريق جابر ..كيف بدي أدلك»؟ في هذه الأثناء تفتح الإشارة وتعلو الزمامير عليّ وعلى أعدائي وعلى دليلي طويل البال فانطلق بينما هو يتوارى خلف صهريج مياه فأتوه من جديد..بسبب عبارة «ظلك وراي» زرت مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومصفاة البترول وتفقدّت المخزون الاستراتجي من الكاز والديزل، واستمعت إلى شرح مفصّل حول التوسعة، وزرت بلدية الهاشمية، وكانت تراودني نفسي أن أحرم في آبار علي و»أجيب عُمره» وأروح...لم أترك قرية ولا بلدة تابعة للزرقاء الا ودخلتها ومشيت في شوارعها في تلك الليلة المظلمة بسبب «ظلك وراي»، حتى مشيت أكثر من خمسين كيلو مترا بين الهاشمية واربد بمسرب واحد مليء بالشاحنات والسيارات والانعطافات الخطرة والضوء العالي كله يصب في البؤبؤ الضيق ولم أجد «طريق جابر « حتى اللحظة ..المهم وصلت البيت بعد ثلاث ساعات متواصلة من المشي المستمر، نظرت في المرآة وقد بدت عيناي مثل حبتي الخوخ الناضج، أما الجفن السفلي كان قد وصل إلى «سرتي» من كثرة التركيز بسبب «ظلك وراي»..
الأزمة الاقتصادية تشبه ما حصل معي تماماً في رحلة العودة، لو يصفون لنا طريق الخروج من الأزمة منذ البداية، لنفهم أين نمضي وكيف نمضي بدلاً من قصة «ظلك وراي»هذه التي لم تدع مطباً اقتصادياً الا ولبستنا إياه ولا جورة مالية الا أدخلتنا فيها ولا طريقاً مقطوعة الا سلكناها..قولوا كيف «نطلع من الأزمة»؟؟..لأنه «ظلك وراي خوزقتنا» بصراحة.. بتضعيّونا وبنبطل نشوفكم بعدها!!.