الرئيسية مقالات واراء
حالة من التمرّد في أوساط الإدارة الأميركية بعد أن رفضت القائمة بأعمال وزير العدل، سالي ياتس، الدفاع عن قرار ترامب التنفيذي بمنع اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة، وبإيقاف برنامج اللاجئين لفترة معينة، وبمنع قادمين من 7 دول "تسود فيها توترات" من دخول الولايات المتحدة... إلى آخر النقاط المذكورة في قرار الرئيس الأميركي.
أعفى الرئيس الأميركي الجديد ياتس من منصبها، لكنّه واجه "انتفاضة قضائية"؛ بدأت بقرار القاضي آن دونلي عدم تنفيذ قرار ترامب، وإعلان المدّعي العام في ولاية واشنطن، بوب فيرجسون، مقاضاة الرئيس الأميركي نفسه على خلفية قراره، والطعن به قضائياً أمام المحاكم.
"الرئيس المعزول الخطير"، كما وصفه الكاتب الأميركي بينجامين والاس ويلس، في مجلة "نيويوركر"، وجد نفسه أيضاً أمام تظاهرات واحتجاجات في المطارات والشوارع، وفي مواجهة مع مؤسسات حقوق الإنسان والحقوق المدنية، وانتقادات من أوساط النخب السياسية والباحثين والمثقفين، فضلاً عن الآلة الإعلامية الضخمة التي تعمل ضده وأعمدة المقالات اليومية الناقدة لما يقوم به.
ما يحدث في أميركا الآن هو الدرس الديمقراطي الذي يجب أن نتعلّمه ونفهمه؛ سواء من قبل السلطات العربية أو النخب السياسية، أو حتى المعارضة، وفي مقدمتها القوى الإسلامية المتعددة. فبالرغم من أنّ دونالد ترامب جاء عبر صناديق الاقتراع عبر عملية انتخاب نزيهة، بأغلبية مهزوزة جداً، إلا أنّ ذلك لم يعن نيله شيكّاً على بياض لضرب "الحلم الأميركي" والتقاليد الدستورية والسياسية والقضائية في البلاد؛ فما إن اتخذ قراره حتى وجد نفسه في مواجهة حقيقية داخلية، ليس مع المسلمين والعرب، أو الجنسيات التي منعها من دخول الولايات المتحدة، بل مع المؤسسات الأميركية المتعددة.
هذه هي الجدران المتينة ضد الدكتاتورية واختطاف الديمقراطية والقيم المجتمعية؛ وهي السدّ الذي يحول دون أن تتحول الولايات المتحدة إلى نموذج فاشي ونازي. فتوزيع السلطات والصلاحيات، وقوة التوازن بين المؤسسات السياسية والقانونية، والدور الذي يقوم به المجتمع المدني والإعلام، والقيمة المصانة لحقوق الإنسان وحق التعبير، كل هذه المفاهيم هي المعنى الحقيقي للديمقراطية، وليس فقط الانتخابات؛ وهي الديناميكيات التي تحمي الدولة من الوقوع في فخ الدكتاتورية والتطرف، وليس الانقلابات العسكرية ومصادرة حرية الناس وحقوقهم الإنسانية، والزجّ بهم في السجون، بدعوى حماية "الديمقراطية"!
ترامب يحمل وجوها شبه كبيرة مع نماذج معروفة من الزعماء العرب. وقد قام بعزل نفسه -كما يذكر بينجامين ويليس في مقالته- بعد دخوله البيت الأبيض، عن المؤسسات السياسية ومراكز التفكير، وقرّب بعض الأشخاص، ومنهم صهره جاريد كوشنير، وستيف بانون اليميني المتطرف، فشكّلا حلقة صلبة حول الرئيس الأميركي الذي لم يبد حماسة ولا رغبة في الاستفادة من علماء الاجتماع وعلماء السياسة في إدارته. لكن الفرق –مرّة أخرى- أنّ قرار ترامب ليس قانوناً، ورأيه ليس مقدساً، وإذا حلم حلماً في ليلته لن يكون سهلاً عليه تمريره بوصفه فتحاً فكرياً ومعرفياً وسياسياً على الأمة أن تشكر الله عليه. ولذلك من الصعب أن تتحول هذه الدول إلى "دكتاتوريات" و"مزارع داشرة" وقطيع وراء الراعي المقدّس!
من حقنا أن نعترض على السياسة الخارجية الأميركية، ونقف ضدها في كثير من الأمور، لكنّ ظاهرة ترامب تظهر ضرورة التمييز بين هذا الوجه، والوجه الآخر الذي يجعل من أميركا حلماً لملايين البشر في العالم، بوصفها أرض الحريات وحقوق الإنسان والفرص الممكنة، والديمقراطية والتعددية، والتسامح الديني في الداخل، والقدرة على الإدماج والتنوع بين مختلف الثقافات والأديان. واهتزاز مثل هذا النموذج –لو يدرك ترامب والمجموعة اليمينية المتطرفة التي تغذّيه بأفكار فاسدة- هو أكبر هدية للمتطرفين والإرهابيين!