الرئيسية مقالات واراء
فيصل الملكاوي
في الزيارات الملكية التي قام بها جلالة الملك عبدالله الثاني الى موسكو ولندن والولايات المتحدة خلال الاسابيع الماضية وخلال الزيارة الهامة المرتقبة مجددا الى واشنطن خلال الفترة المقبلة وضع جلالته تعزيز الموقف العربي وخدمة القضايا العربية على راس الاجندة في المباحثات مع قادة واركان ادارات هذه الدولة المحورية و صانعة القرار الدولي بشكل اساسي ، والاهم ان هذه الزيارات والمباحثات اثمرت وراكمت على الجهد الدبلوماسي الاردني خلال السنوات الماضية التي مرت فيها العديد من البلدان العربية في ازمات كبيرة وحاول فيها اليمين الاسرائيلي بحكوماته المتعاقبة تهميش واقصاء القضية الفلسطينية تحت وطأة الظروف الصعبة التي يمر بها العالم العربي في خضم الاصطفاف الدولي والاقليمي غير المسبوق الذي ساد خلال السنوات الماضية وكانت ساحات معاركه الارض والقضايا العربية ، رأى البعض في المنطقة والعالم انه لا مجال للعمل وان اليأس وعدم جدوى التحرك هو الواقع الذي لا يمكن مقاومته ، لكن الدبلوماسية الاردنية بقيادة الملك ، كانت ترى على الدوام ان العكس هو الصحيح بل ان المبادرة والتحرك وعدم ترك الساحة والموقف العربي في حالة فراغ ، هو امر لا يمكن التخلي عنه تحت اي ظرف من الظروف وتحت اي ذرائع او مبررات ، لان البقاء في خانة السكون وردود الافعال من شأنه زيادة حدة الاذى والتهميش للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية جوهر الصراع في المنطقة وهي القضية التي استطاع الملك كل مرة اعادتها الى صدارة الاجندة الدولية كمركز الصراع في منطقة الشرق الاوسط ولها تاثيرها على العالم باسره.
اثبت الجهد الملكي المكثف والمركز مع الادارة الاميركية الجديدة والرئيس الاميركي دونالد ترمب ، قبل تنصيب الرئيس والادارة في العشرين من الشهر الماضي ومن بعد هذا التاريخ الذي سيبقى مفصليا على خارطة السياسة الدولية ، اثبت جهد جلالته الدبلوماسي انه يمكن احداث الاثر والمراكمة عليه ، حتى مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي وصفه العالم وحتى الداخل الاميركي بانه لا يمكن التنبؤ به ، وكذلك بالنسبة لادارته التي قال العالم ايضا انها غاية في الصعوبة والتعقيد وانه يجب التحوط لاسوأ النتائج معها ليس على مستوى الشرق الاوسط وحسب انما على مستوى العالم كله.
الدبلوماسية الاردنية امتازت دوما بصحة وحسن قراءة المشهد الاقليمي والدولي ، بل وكانت تستشرف تطورات الاحداث ومستقبلها ، وليس ادل على ذلك ذهاب العالم كله في بداية الازمة السورية ، الى ان المسالة لن تعدو ستة اشهر ، فيما كان الملك يؤكد على الدوام ان الازمة ليست بوادر النهاية قبل ست سنوات ، ليس من باب الرغبة في امتدادها بل لان الوصفة الاقليمية والدولية التي اقصت الحل السياسي الذي نادت به الدبلوماسية الاردنية منذ اليوم الاول لصالح الاستقطاب وصراع الارادات المباشرة وبالوكالة وايضا الفراغ الذي تركته ادارة الرئيس السابق باراك اوباما حيال الازمة السورية على وجه الخصوص وقضايا المنطقة عموما باستثناء التركيز على الملف النووي الايراني كانجاز للرئيس اوباما في الشرق يمكن ان يصف به ارثه رغم التشكك الاقليمي والدولي وحتى جزء هام من المشهد الاميركي لمثل هذا الوصف.
وفي ظل تولي الادارة الاميركية الجديدة مهامها ، انتقل جلالة الملك من موسكو الى لندن ثم الى واشنطن بعد ان بحث مع الرئيس بوتين والمسؤولين الروس ملفات غاية في الاهمية وابرزها القضية الفلسطينية والازمة السورية بكافة تفاصيلها وابعادها وملف الارهاب الى غيرها من الملفات ، وكذلك الحال مع وزيري الخارجية والدفاع
في الحكومة البريطانية ، فقد وضع جلالته في هاتين الزيارتين المقاربات والرؤى الاردنية للحلول ، وضرورة التقدم اليها لان مزيدا من التاخير ليس من شانه الا زيادة الاضطراب وتعمق الازمات واخذ الارهابيين مزيدا من الوقت والفرص والذرائع الواهية لاجنداتهم الاجرامية التي يقع على راس ضحاياها المسلمون في كل مكان.
استطاع جلالة الملك بشهادات اميركية وبتصريحات شديدة الوضوح من البيت الابيض وقادة الكونغرس ومعلومات شديدة الدقة عكستها الصحافة الاميركية العريقة ، مثل صحيفة النيويورك تايمز ، استطاع ان يحدث تحولات هامة ، في مواضيع اساسية ، في توقيت هام قام به الملك بالزيارة في الوقت الذي كان فيه الرئيس الاميركي وادارته يبدان تنفيذ اجندة العمل ، والذي يلامس الجزء الاكبر منه في الشان الخارجي القضايا العربية ، فكان التحول بشان الاستيطان وزيادة وتيرة انتقاد الرئيس بنفسه لهذه السياسة التي تنهي كل امل في السلام ، كما ان تصريحات الرئيس ترامب بشان القدس لا تاخذ ذات الحدة اثناء الحملة الانتخابية بل وصف هذا الخطة اخيرا بانها قرار ليس سهلا ، وفي الموضوع السوري هناك وضوح متزايد بشان الحل السياسي خصوصا بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وكذلك اعادة تموضع القوى الاقليمية ازاء هذا الحل ، وهنا لابد من ملاحظة نتاج الدبلوماسية الملكية بالاصغاء لرؤيتها بثلاثة محاور اساسية بشان الازمة السورية.
هذه المحاور هي تثبيت وقف اطلاق النار بشكل دائم وشامل ، الذهاب للحل السياسي بمنظومة متكاملة ونلاحظ مشاركة الاردن في استانه 2 والتاكيد الاميركي والروسي على الدور والاسهام الاردني المهم شان الازمة السورية ، وهو موقف يحظى بتوافق عربي ايضا ، والبعد الثالث هو الحرب الشاملة على الارهاب التي يجب تصعيدها على كافة الجبهات العسكرية والاستخبارية والفكرية وتامين المجتمعات والشبكة العنكبوتية لتجفيف منابع التجنيد والتمويل ، وعدم التاخر في خوض هذه الحرب تحت راية واجندة جادة اذ ان هذه الافة يجب ان لا يقبل احد بتملصها تحت اي تناقضات في المواقف ايا كانت فالارهاب لم يوفر احدا من جرائمة البشعة.
هذه المحطات الملكية الثلاث في عواصم هامة لصنع القرار الدولي موسكو لندن وواشنطن لجلالة الملك جولات دبلوماسية واتصالات مستديمة خلال الفترة المقبلة معها ومع بقية عواصم صنع القرار الدولي والمؤثرة فيه ، اضافة الى جهد ملكي بازر سيكون قبل وخلال وبعد انعقاد القمة العربية في عمان اواخر الشهل المقبل وسيبقي هدف الدبلوماسية الاردنية النشطة والمكثفة والمنتجة اساسا هو تعزيز مكانة الدور العربي والقضايا العربية على طاولة صنع القرار الدولي وابقاؤها في مركز الضوء لا زوايا الظلام والتهميش التي يريد لها البعض في المنطقة خصوصا والعالم بوجه عام ان تقبع فيه.