الرئيسية مقالات واراء
من يرصد عيّنة عريضة من ردود فعل "الشارع" على القرارات والتوجّهات الرسمية، سيلحظ أنّ المزاج الطاغي على ردود الفعل هذه هو "التشكيك" و"عدم الثقة" بالحكومة. وهي حالة قد ينظر إليها بعض المسؤولين باستهتار وعدم اكتراث، وكأنّها "تحصيل حاصل" للأزمة المتنامية بين الدولة والمواطنين، لكنّها في دلالتها العميقة أولاً، وفي ما وصلت إليه الآن من مستوى حادّ، ثانياً، خطرة وتدفع إلى تفكير عميق وجدّي!
عندما أعلن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية (قبل أيام) عن توجهات الرأي العام إزاء حكومة د. هاني الملقي، وقرعنا الجرس، وأنّ الأمور وصلت إلى مرحلة تتطلب إيقاظ المسؤولين، كان جواب (الأمر الواقع) لدى المسؤولين، هو التقليل من شأن هذه الدلالات وتجاهل نتائج الاستطلاع!
ردود الفعل الشعبية على رفع الأسعار تكشف عن حالة احتقان اجتماعي. ثم ما نلاحظه من تعليقات وتفاعل مع إعلان رئيس الوزراء لاحقاً عن توجّه جدّي لمكافحة الفساد الإداري، ونشر صور وأسماء الفاسدين والمرتشين في الصحف؛ إذ لاحظنا أنّ هناك أيضاً مزاجا متشككا ومشككا، بل أكثر من ذلك لا يأخذ هذا الكلام على محمل الجدّ، ويخشى من إجراءات ازدواجية في مكافحة الفساد، ويتساءل عن إجراءات الحكومة في ملاحقة متّهمين بالفساد معروفين، مثل وليد الكردي!
حتى إنّنا نحن الكتّاب نلحظ هذا المزاج في ردود الفعل، المكتوبة والشفهية، على دعمنا لأي توجهات حكومية في هذا السياق، مثل مكافحة الفساد الإداري، أو رفع الحدّ الأدنى للأجور، فتجد أنّ السلبية هي حالة طاغية.
السؤال الموجّه للمسؤولين: لماذا هذا المزاج السلبي؟ وهو سؤال بالضرورة يتجاوز الحكومة الراهنة (لأنّه حالة متراكمة وصلت إلى هذا المنحنى اليوم) إلى مؤسسات القرار المعنية، للتفكير بصورة جديّة وموضوعية فيه، بعيداً عن "الأجوبة المعلّبة". ونرجوكم –كذلك- من دون "التذاكي" المفرط في إجابات غير مبالية فقط للتهرب من مواجهة مشكلة قائمة وحقيقية!
رجل الدولة الحقيقي ليس هو من يتجاهل المواطنين والمزاج الاجتماعي والشعبي، ولا يبالي بذلك؛ بل هو الذي يفكّر ويبحث في المسار المطلوب لإعادة تعبيد الطريق بين الدولة والمواطنين. لذلك، بدلاً من الهروب من السؤال فإنّه يطرح سؤالاً آخر: كيف يمكن أن نعيد الثقة ونفتح القنوات المطلوبة بين الحكومة والمواطن، في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، والضغوط المالية على الموازنة، وارتفاع منسوب عدم الرضا جراء الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، حتى إنّ هناك أغلبية مطلقة من المواطنين لا ترى أنّنا نسير في الاتجاه الصحيح (كما في استطلاع الرأي العام الأخير)؟
إلى ماذا نحتاج لإحداث نقلة نوعية ونقطة تحول في المشهد الداخلي، وندفع بالجهود جميعاً إلى العمل بصورة متكاملة، حتى لا نغرق في السلبية والإحباط وخيبة الأمل، وهي عناوين لمزاج نفسي.
هكذا أفترض أن يفكّر المسؤولون؛ ما هو المشروع العام الذي يمكن أن نضع في إطاره جهود الدولة الجدّية –نسبياً- لاستعادة سيادة القانون، ولمواجهة المحسوبيات والواسطات وانتشار الرشوة والفساد الإداري، ولإصلاح التعليم، ومكافحة آفة المخدرات، وتجفيف منابع الثقافة الداعشية في المجتمع وتدشين حملات لملاحقة فارضي الأتوات والمعتدين على المياه والكهرباء ولتفكيك المافيات التي تشكّلت بين القطاعين العام والخاص في الأعوام الماضية، ولإصلاح الضريبة ومكافحة التهرب الضريبي، ولإعادة هيكلة سوق العمل... إلخ؟!
إذا نظرنا إلى المشهد بصورة دقيقة وشاملة، وربطنا الخيوط ببعضها وركّبنا الأجزاء المتفرقة، سنخرج بنتيجة واضحة؛ آن الأوان لثورة بيضاء في الأردن، ولفريق سياسي حقيقي يدرك المطلوب.