الرئيسية مقالات واراء
بعد أشهر من الهدوء، عادت القذائف المتطايرة من الجانب السوري لتهدد السكان الآمنين في الرمثا، وتذكرنا جميعا بالمخاطر القائمة جراء استمرار الحرب في سورية.
لم نفهم بعد وعلى نحو مؤكد الظروف التي أدت إلى تفجر الموقف بين قوات النظام والمجموعات المسلحة، بعد صمود وقف إطلاق النار لأشهر. حسب التقارير الصحفية من الميدان، المعارضة المسلحة هي التي بدأت الهجوم في محاولة للسيطرة على حي المنشية وسط درعا المدينة، والتقدم نحو أحياء أخرى على حساب قوات النظام السوري المتمركزة هناك.
واللافت أن هذا التطور حصل في الوقت الذي توجه فيه وفد أردني إلى أستانا للمشاركة في الجولة الثانية من مباحثات تثبيت وقف إطلاق النار برعاية روسية وتركية وإيرانية.
الأردن، وكما هو معلوم، صاحب اليد الطولى في جنوب سورية، ويتحكم مع شركائه الأميركيين بتحركات القوى النافذة في المعارضة المسلحة هناك.
ويبدو أن هذا هو ما دفع بوسائل الإعلام المقربة من النظام السوري إلى القول إن معارك درعا محاولة من الأردن لتحسين مواقع المعارضة على طاولة المفاوضات في أستانا قبل تثبيت خطوط وقف إطلاق النار.
يصعب التسليم بصحة هذه الفرضية، لأن الجبهة الجنوبية ومنذ فترة تشهد تحركات لا تنسجم بالكامل مع الاستراتيجية الأردنية لأمن الحدود السورية، خاصة أن الأولوية الأردنية في الجنوب السوري هي تصفية الفصائل المحسوبة على تنظيم "داعش" الإرهابي، ومنع تقدم مجموعات أخرى من التنظيم قادمة من الشرق صوب المناطق المحاذية للحدود الأردنية.
لم يتغير شيء على هذه الاستراتيجية، والضربات التي شنها سلاح الجو الملكي مؤخرا، تعزز من مصداقية الرواية الأردنية. وتشير المعطيات المتوفرة للمرحلة المقبلة عن دور أردني أكثر فعالية في الحرب على الجماعات الإرهابية في سورية.
كان واضحا منذ فترة ليست قصيرة، تبرم مجموعات مسلحة في المعارضة السورية من حالة الجمود التي فرضها الأردن في جنوب سورية، وتعطيله محاولات المسلحين التقدم في عمق درعا المدينة.
وبدا، في موافقة الأردن على المشاركة في عملية أستانا وإصراره على شمول الجبهة الجنوبية في اتفاق وقف إطلاق النار، دليل قوي على تحول جوهري في الموقف الأردني لصالح المحور الذي تقوده روسيا، ومؤشر على رغبته في الانفتاح على دمشق في مرحلة لاحقة.
لماذا إذاً تفجر الموقف في درعا؟
هناك احتمالان مرجحان. الأول، أن الفصائل المسلحة التي دشنت معركة "الموت ولا المذلة" لا تخضع لتوجيهات أردنية، أو أنها تصرفت من دون تشاور مع حلفائها الإقليميين والدوليين. والاحتمال الثاني، أن الأردن سعى بالفعل إلى تسخين الجبهة الجنوبية بشكل مدروس، ولغايات تكتيكية، تخص دوره في مباحثات أستانا، وأن المعارك ستتوقف في حال استنفد التصعيد أغراضه.
أيا تكن المعطيات والاحتمالات، وسواء كان للأردن دور أم لا فيما يدور على حدودنا، فقد بات من الضروري التدخل لضبط الموقف المتدهور هناك، لأن القذائف طالت أراضينا.