الرئيسية مقالات واراء
نقرأ تحليلات وتفسيرات عديدة عن الأسباب الكامنة وراء "الخرق" الجديد في "الهدوء العسكري" شبه الكامل الذي كانت محافظة درعا تعيشه مع النظام السوري. وهو هدوء بُني –كما لم يعد سرّاً- على تفاهمات أردنية-روسية، نجحت في إنجاز "وقف إطلاق نار"، نسبي، في المناطق الجنوبية، منذ عام، بما سبق كثيراً التفاهمات الروسية-التركية الأخيرة.
غرفة "البنيان المرصوص" العسكرية التي تضم فصائل إسلامية ووطنية معارضة سورية، هي التي أعلنت قبل 4 أيام عمّا يسمى حملة "الموت ولا المذلة"، للسيطرة على حيّ المنشية الاستراتيجي، بالاشتراك مع مجموعات "جبهة فتح الشام" و"حركة أحرار الشام"، وفق ما يتوافر من معلومات.
فصائل الجبهة الجنوبية (القريبة من غرفة "الموك") لم تشارك بصورة مباشرة ورسمية في المعارك، وإن كان بعض عناصرها فعل، لأنّ الأردن الذي يسعى إلى تطوير التفاهمات في الجنوب إلى اتفاق هدنة رسمي، وإلى "مناطق آمنة" لاحقاً، دفع باتجاه إيقاف العملية، كما يقول مسؤولون في غرفة عمليات "البنيان المرصوص" التي أصدرت، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بياناً أعلنت فيه رفضها لمقترحات الهدنة العسكرية في الجنوب.
ما يهمّ الأردن والمراقبين هو المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه التطورات؛ بمعنى فيما إذا كانت تكتيكية ترتبط بحيّ المنشية الاستراتيجي الذي يعتبر أكبر أحياء درعا البلد وأهمها، والمطل بشكل مباشر على درعا المحطة (مركز مدينة درعا)، وعلى مبنى "الأمن العسكري" و"اللواء 132"، ما يتيح للمعارضة السيطرة النارية على عدد من أحياء درعا المحطة، وربما السيطرة عليها بشكل كلي، إن هي قررت مواصلة الهجوم على باقي أحياء المدينة.
السيطرة على الحيّ، وفقاً لمصادر المعارضة، مهمة استراتيجية، لأنّه يخفف هواجس المعارضة من هجوم جديد لقوات النظام للوصول إلى "جمرك درعا القديم"، وفي حال السيطرة على هذه المنطقة تكون قد فصلت مناطق الريف الشرقي عن الغربي، وبالتالي باتت قوات المعارضة منفصلة عن بعضها ما يمنح النظام فرصة كبيرة للاستفراد بها.
إذاً، الهجوم الحالي تكتيكي، وربما استباقي، لتحسين ميزان القوى في درعا، وإخراج النظام من أحد الأحياء الاستراتيجية في المدينة، وقلب المعادلة؛ أي محاصرة النظام بدلاً من البقاء تحت كابوس تمكّن النظام من محاصرة الفصائل الثورية.
على هذا الأساس من التحليل، فإنّ النتيجة التي قد نصل إليها هي أنّ الهجوم الحالي هو خرق جزئي لا يؤثّر جوهرياً على الرؤية الاستراتيجية الأردنية للمرحلة المقبلة، وعلى التفاهمات مع الروس والأميركيين، ولا يؤثّر على القناعة بحجم النفوذ الأردني في المناطق الجنوبية.
لكنّ هذه النتيجة ليست دقيقة تماماً، وبحاجة إلى تمحيص واختبار أكبر. فالتصوّرات الأردنية -حول الهدنة العسكرية، وأولوية قتال "داعش"، والتنسيق مع الروس- ليست محل تفاهم كامل مع أغلب فصائل درعا، ومن ضمنها غرفة "البنيان المرصوص" القوية والمؤثرة، من ناحية؛ كما أن هناك تململا واختلالات كبيرة في أوساط الجبهة الجنوبية (الجيش الحرّ المقرب من الأردن) من جهةٍ ثانية.
وبموازاة هذه الملحوظات، فمن المهم الانتباه إلى المشاركة الفعّالة لأعضاء في "فتح الشام" و"أحرار الشام"؛ فيما إذا كانت هذه المشاركة (التي تأتي بعد انتقال أغلب عناصر "فتح الشام" إلى إدلب) بمثابة تفكير جديد بالعودة إلى الجنوب، بينما يقبع جيش خالد بن الوليد (المؤيد لداعش في ريف درعا الغربي)!
من المهم إعادة تقييم عميقة للظروف الراهنة في درعا، ولأوضاع الفصائل المسلّحة وأوزانها، وتطوير التواصل والحوار مع مفاتيح الفصائل المعتدلة، حتى تلك التي لا تقع ضمن غرفة عمليات "الموك"؛ لأنّ أي مشروع مستقبلي في هذه المناطق من الضروري أن يحظى بفهم وتفهّم وتوافق نسبي كبير.