الرئيسية مقالات واراء
هل كان علينا أن ننتظر قدوم سائح من أميركا التي تبعد عنا آلاف الأميال، ليبلغنا أن المرافق الصحية في مواقعنا السياحية والأثرية، في حالة يرثى لها؟
لقد تعاملت وزيرة السياحة لينا عناب، مع رسالة السائح الأميركي "الفيديو" بطريقة حضارية؛ فتقدمت له بالاعتذار، ووعدت بحل جذري للمشكلة.
لكن كان بمقدور الوزيرة، ومن سبقها من وزراء ومسؤولين عن المواقع الأثرية والسياحية، تجنب هذا الإحراج من أساسه. بيد أننا، وفي كل الحالات الكثيرة المماثلة، لا ندرك مسؤولياتنا إلا عندما "يلكزنا" أحدهم في خاصرتنا.
عشرات الملاحظات عن واقع الخدمات في المواقع السياحية، حطت على مكاتب المسؤولين في أوقات سابقة. وعشرات المسؤولين زاروا بلا شك تلك المواقع، و"اضطروا" مكرهين إلى استخدام دورات المياه هناك، لكن أحدا منهم لم يفكر في التصدي للمشكلة وحلها بشكل جذري.
والمشكلة تتعدى المرافق العامة لتطال الخاصة أيضا؛ فمعظم الحمامات التابعة للاستراحات والمطاعم السياحية في المواقع الأثرية، تعاني من تدني مستوى النظافة، وغياب الخدمات الأساسية. ولو أن مراقبي الوزارة أو الدوائر الحكومية المعنية، قاموا بواجبهم في التفتيش والمتابعة، لكانت هذه المطاعم مغلقة إلى حين التزامها بمعايير التصنيف والخدمة والنظافة المنصوص عليها في التشريعات والتعليمات.
لكنها حالة اللامبالاة التي أصابت المؤسسات في مقتل، ولم تجد من يساعدها على تجاوز حالة الخمول.
رسالة السائح الأميركي كانت مهذبة، وفيها شعور بالتقدير لمكانة الأردن السياحية، والحرص على سمعته العالمية كمقصد سياحي فريد. لكن طالما سجل أدلاء سياحيون يرافقون أفواجا أجنبية ملاحظات مشابهة، غير أن أحدا لم يلتفت لكلامهم.
وكثيرا ما نقلت تقارير إعلامية واقع الحال المتردي في مواقعنا السياحية. وفي الحالات التي استجابت فيها الجهات المعنية، جاء رد فعلها على شكل "فزعة"، تعود بعدها الأمور إلى ما كانت عليه من قبل.
لن يكون صعبا على وزيرة السياحة أن تتعاقد مع شركات نظافة للعمل على مدار الساعة في المرافق الصحية التابعة للمواقع الأثرية. لكن التحدي الأصعب سيكون في ضمان قيام هذه الشركات بواجبها فعلا وعلى الدوام، ووفاء المسؤولين في الميدان بدورهم في مراقبة العاملين في هذه الشركات ومحاسبتهم على التقصير. فهناك عشرات المرافق العامة، كالمستشفيات الحكومية مثلا، التي تتولى شركات أعمال النظافة فيها، لكن مراجعيها يعانون الأمرين من تردي مستوى النظافة.
في عموم المرافق العامة، لدينا مشكلة مع النظافة. وحتى عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية الذاتية للمواطن، فإننا نلمس قدرا مريعا من التساهل مع المعايير الأساسية رغم اتصالها وتأثيرها المباشر على صحته ونظافته الشخصية، بخلاف سلوكه عندما يكون في منزله مثلا.
يظهر ذلك جليا في المدارس الحكومية والمستشفيات ودورات المياه في الوزارات والدوائر الرسمية.
لكن ربما تكون ملاحظة السائح الأميركي مناسبة تذكر الوزراء والمسؤولين بأهمية الزيارات الميدانية للمرافق التي تتبع وزاراتهم. فلو بقيت وزيرة السياحة في مكتبها سنوات، لن تحصل أبدا على تقرير يلفت نظرها إلى مشكلة النظافة، مثل تلك الرسالة المسجلة من السائح الأجنبي.