الرئيسية مقالات واراء
ثمة قرارات وخطوات إيجابية تصدر عن الحكومة يلزم التوقف عندها، خصوصا أن أثرها المرتجى على المستوى الشعبي يضيع، فلا تظهر تحسّناً على المزاج العام؛ ربما بسبب قسوة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة د. هاني الملقي منذ جاءت إلى "الدوار الرابع".
هكذا؛ فمن باب الإنصاف، وقبولاً بما تقوله الحكومة بأن قراراتها القاسية ليست إلا لإنقاذ الاقتصاد من سيناريوهات أشد قسوة، وبما يعني الاستجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي، فإنه لا بد من الحديث عن خطوات إيجابية تؤشر إلى نوايا طيبة لدى د. الملقي نفسه لإحداث فرق في الوضع العام.
أهم ما قام به الرئيس للآن، من وجهة نظري، هو إعلانه الحرب على الفساد الصغير الذي بدأ ينهش مؤسساتنا؛ بما يؤثر على سمعة المؤسسات ابتداء، ويضرب مزاج المستفيدين من الخدمات العامة التي تقدمها. كما أنه فساد يعبر بشكل واضح عن تكسر قيم نبيلة كانت، حتى وقت قريب، مصدر فخرنا، فكنا نقارن أنفسنا بما يحدث في دول عربية من إفساد للموظف العام.
ورغم أنه صحيح بنسبة 100 % ما يذهب إليه البعض من أن هذه الخطوة غير كافية، وأن علينا البحث عن الفساد الكبير، لكنّ ذلك لا يمنع أن محاصرة ما صغر من الفساد هي مطلب شعبي أيضاً، وشرط لاستعادة بعض المؤسسات هيبتها التي ضاعت في عقل الأردني، والركن الأساس لذلك استعادة هيبة الموظف العام فيها.
الملقي أكد على ضرورة هندسة الإجراءات بطريقة لا تسمح مطلقا بوجود الفساد، لأن المشكلة اتسعت في بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية، وصارت تعطّل مصالح المواطنين والمستثمرين وتستنزف أموالهم، بدلاً من حفزهم على النشاط والإنجاز.
والمضي في تنفيذ هذا التوجه ممكن، بسبب توافر الإرادة وصدق النوايا لدى د. الملقي. وهو أمر يلزم الانتباه إليه من فريق الرئيس بحيث يتم تطبيقه حرفيا.
القصة الأخرى التي تُحسَب للملقي تظهر في الشهادة التي يقدمها نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، بتأكيده أن الرئيس استجاب لكل ما طلبته النقابة من إعفاءات ضريبية لسلع غذائية أساسية، حتى لا تؤثر القرارات الحكومية على سلة غذاء المستهلك.
كذلك، يمكن الجزم بأن النوايا الصادقة ظهرت في قرار الرئيس رفض استحداث منصب "مدير عام" في شركة "الملكية"، مبرراً موقفه بأن "وجود رئيس تنفيذي للشركة ومدير عام بنفس الوقت سيربك الصلاحيات والمسؤوليات وإجراءات العمل".
وتؤكد المعلومات أن ممثلَي وزارة المالية ومؤسسة الضمان الاجتماعي في مجلس إدارة "الملكية" اعترضا على قرار المجلس خشية تضارب الصلاحيات الذي سينجم عن وجود مدير عام ورئيس تنفيذي للشركة.
والمبرر الحكومي مقنع. كما يمكن القول إن شركة مثل "الملكية" تعاني خسائر مالية كبيرة، كان يلزم إدارتها اتخاذ قرار بإحالة المسؤول التنفيذي الرئيس فيها إلى التقاعد أولا، ومن ثم التفكير في تعيين مدير عام جديد. مع الإشارة إلى أن الإدارة تسعى إلى تعيين خبير أجنبي يعمل مع الرئيس التنفيذي، وبما يشي بأن فكرة ضبط النفقات وإدارتها بحصافة غير حاضرة في عقل من يتولى أمر الشركة.
الخطوات السابقة إيجابية، لكن قد لا يظهر أثرها مباشرة على الأردنيين، ولا سيما معنوياً؛ ربما بسبب الخذلان الكبير والمتلاحق من الحكومات المتعاقبة للمجتمع، ما خلق فجوة ثقة واسعة وخطرة بين الطرفين. وليكون ظهور نتائج مُرضية على المزاج العام بحاجة إلى ما هو أكبر وأكثر من الخطوات السابقة.
بصراحة، نحتاج إلى كثير من مثل هذه التوجهات لإحداث اختراق مجتمعي، يقلّص الفجوة بين الناس والحكومة. وهو ما ننتظره من الرئيس الملقي؛ إجراءات أخرى متواصلة تؤكد حرصه على تحسين المزاج العام.