الرئيسية مقالات واراء
الحراك بالطريقة التي شهدناها في سنوات "الربيع العربي"، استنفد أغراضه وانتهى أجله. المجتمع والدولة بحاجة إلى حراك سياسي اجتماعي بمواصفات جديدة.
"الربيع العربي" كان ثورة في الشوارع. اليوم، نحن بحاجة إلى ثورة في العقول والأفكار، بأدوات ووسائل مختلفة تماما.
القوة الضاربة في المجتمع الأردني هي قوة غير موجهة سياسيا، وتعوزها القيادات الميدانية الموثوقة. ففي السنوات الخمس الأخيرة استهلكنا ما لدينا من رصيد في القيادات والنخب؛ من كان منهم في الحكم أو المعارضة. والأهم من ذلك أننا استنفدنا رصيدنا من البرامج والخطط الإصلاحية، ولم يعد بمقدور النخب على الطرفين إنتاج أفكار جديدة أو مشاريع طموحة وملهمة للجماهير.
الحكومات المتعاقبة ظلت تدور حول جملة من المقاربات الكلاسيكية، من دون أن تنجح في فك عقد التنمية والمشاركة والإصلاح الملموس. المعارضة في وضع أكثر بؤسا، تعيش في الماضي، ولا تملك غير وصفات القرن الماضي لمعالجة تحديات غير مسبوقة على جميع المستويات.
نحن اليوم بحاجة إلى إعادة توجيه على كل المسارات. وثمة ضرورة ملحة لإعادة تعريف المبادئ الرئيسة، والانتفاض على السرديات التقليدية، والتغلب على الجنوح الفكري لدى تيارات سياسية يائسة ومحبطة.
علينا أن ننتقل من غرف الدردشة الافتراضية، إلى ساحات الحوار والإصغاء في الواقع.
واجب الحكومة أن تخرج من الصندوق الوزاري، وتدخل معترك التجربة مع الناس في مواقع العمل والتعليم والحياة. ويتعين على المعارضة أن تتعلم الدرس من سنوات "الربيع العربي"؛ فالتغيير لا يأتي بالإكراه، والاحتجاج بالصوت العالي لم يعد بديلا مقنعا للناس.
الإصلاح في عالم ما بعد "الربيع العربي" يقتضي من الجميع الالتقاء في منتصف الطريق. كيف تقنع الشعب أنك تريد الإصلاح، وفي الوقت ذاته تطالب بالعودة في المناهج الدراسية إلى الوراء؟!
لم يسأل أحد من أصحاب هذه الدعوة اليائسة عما فعلته الحكومة للبدء بتطبيق خطتها للتوسع في رياض الأطفال، لصقل مهارات الأطفال في سن مبكرة. لم يسأل أحد عن استراتيجية التشغيل ومصيرها، ولا عن صندوق تنمية المحافظات.
الشعارات ولّى زمانها؛ نحن اليوم في زمن البحث عن حلول لمشاكلنا من دون ادعاء مسبق وخطب رنانة. نعرف حجم مواردنا وإمكاناتنا، ولا يستطيع أحد الادعاء أنه قادر على جعل الأردن بلدا بمواصفات أوروبية. إذا كان هناك من درس تعلمناه في السنوات الأخيرة، فهو أن للتغيير حدودا في بلادنا.
ينبغي على الجميع المساهمة في إطلاق حراك جديد في المجتمع، تنخرط فيه كل المؤسسات الرسمية والأهلية. وليكن أولا وقبل كل شيء مع الناس العاديين المطحونين في دوامة الحياة، لتشخيص المشكلات في الواقع، وتلمس الحلول الممكنة. حراك أفكار وبرامج واقتراحات، ترعاه المؤسسات الوسيطة في المجتمع؛ من جمعيات تعاونية، واتحادات زراعية وعمالية ونقابية وأحزاب سياسية. والمناسبات المقبلة هذا الصيف تبدو فرصة ممتازة لتنشيط آليات التواصل عبر الحملات الانتخابية للمجالس المحلية والبلديات.
على المستوى الرسمي، ما أزال متمسكا باقتراحي بضرورة فتح حوارات مباشرة بين رئيس الوزراء والوزراء من جهة وعموم الموظفين في القطاع العام، من دون وجود مدرائهم. فقبل أن نجلد ظهر الموظف العام بالاتهامات ونلاحقه بالشبهات، دعونا نسمع له ولو مرة واحدة.