الرئيسية مقالات واراء
لا تقف مشكلات الأردن الوطنية عند ما يتم تداوله بين المسؤولين والسياسيين ويؤرقهم؛ من قبيل ارتفاع معدل البطالة، والتململ الاجتماعي من ارتفاع الأسعار، ومشكلات الفقر والاختلالات في سوق العمل.
ولا تتوقف الهواجس عند حدود الخشية من الارتفاع المستمر في المديونية والتعامل مع عجز الموازنة، والاضطرار إلى تطبيق وصفات صندوق النقد الدولي وتوصياته، ما يفرض معادلة التوازن بين الاستقرار المالي والاستقرار الاجتماعي.
إذ فوق كل ذلك اكتشفنا مشكلة وطنية كبيرة، حقّاً، هي أزمة "دورات المياه"! صدقوني إنّني لا أمزح. وربما ساهمت رسالة السائح الأميركي -عن عدم وجود دورات مياه صالحة بالقرب من المناطق الأثرية في مدينة البترا– في لفت الانتباه العام لدى المسؤولين. لكن هذا الموضوع تحدثنا عنه سابقاً في مقالات عدة، مع زملاء آخرين من الكتّاب، وذكرتُ هذه المشكلة تحديداً -لكن كما يقال "الإفرنجي برنجي"- إلا أنها مرّت طالما أنّ المسؤولين غير مهتمين بها.
هناك دورات مياه موجودة في محيط مدينة البترا، وفي غيرها من المناطق السياحية الحيوية. لكن المشكلة أنّها معطلة، ومغلقة، أو غير صالحة للاستعمال، نتيجة الإهمال!
القصة نفسها تكررت مع سياح أتراك. إذ عمل دبلوماسيون أردنيون جاهدين على إدخال الأردن ومنطقة البترا تحديداً، ضمن الخريطة السياحية للسياح الأتراك إلى القدس، والتي تحقق من ورائها إسرائيل مكاسب مالية وسياحية كبيرة. المشكلة أنّ الشكوى من دورات المياه تكررت لدى السياح الأتراك، فيوصون الآخرين بعدم زيارة الأردن والاقتصار على القدس، لأنّهم يواجهون صعوبة شديدة في الوضوء وفي استخدام دورات المياه غير الصالحة في الأردن وعلى النقاط الحدودية مع الأراضي المحتلة!
تخيّلوا! مثل هذه "التفصيلة الصغيرة" في عيون المسؤولين -والمرتبطة بعمل إداري يومي، مع توافر الكوادر، بل الفائض لدينا في كل المؤسسات الخدماتية الرسمية- كم تؤثر على صورة الأردن وسمعته السياحية، وكم تعكس مدى إدراك المسؤولين والمعنيين والقائمين على الأمر لأهمية الصناعة السياحية وضرورة تطوير ثقافتنا الرسمية، قبل الشعبية، لهذا الجانب الذي يمكن أن يكون بالفعل نفط الأردن، بل أهم من النفط، لأنّه سيؤدي إلى تحريك السوق وتوفير فرص عمل وجذب عملة صعبة، وكمٍ كبير من الفوائد!
هل تعرفون أنّ كلفة سفر الأردنيين للخارج خلال العام الماضي وصلت إلى 892 مليون دينار؛ نسبة كبيرة من هذه النفقات بغرض السياحة، ولو قلنا النصف فقط (مع أنّ التقديرات أنّها تتجاوز ذلك)، فإنّنا نتحدث عن قرابة 450 مليون دينار، أي نصف مليار سنوياً!
كم يمكن أن تساهم هذه الأموال في إحداث نقطة تحول في واقع السياحة الأردنية وفي تحريك سوق العمل وحل مشكلات البطالة وغيرها! لكن مثل هذه القفزة لن تأتي من فراغ، بينما الوزراء والمسؤولون نائمون في مكاتبهم؛ فهي بحاجة إلى ورشة عمل وطنية حقيقية تبدأ من نظافة وصلاحية "دورات المياه"، وتمر بتأهيل البنية التحتية، وتطوير مراكز التدريب السياحي، وتنتهي أخيراً بفن الترويج للسياحة الداخلية والخارجية على السواء!
الموارد المالية يمكن توفيرها في حال أعدنا هيكلة سياسات الإنفاق. مثلاً، كم مؤتمرا وندوة يعقد أسبوعياً تحت عنوان مكافحة التطرف والإرهاب؟! بينما الوسيلة الناجعة لذلك هي تدريب الشباب وتوفير فرص عمل لهم، ومنحهم الأمل في المستقبل، لأنّ الإحباط واليأس والفجوة بين الحكومات والمجتمعات هي بمثابة الأرض الصلبة التي تقف عليها الجماعات المتطرفة!
بالمناسبة، بعد تلك الضجة والجلبة التي أثارتها رسالة السائح الأميركي (كثّر الله خيره)، لا أعرف ما إذا كان أحد المسؤولين قد زار فعلاً دورات المياه وتأكد من إصلاحها!