الرئيسية مقالات واراء
آخر علمنا بهم يعود إلى العام 2010، كما تؤكد الأرقام الرسمية. هناك نسيناهم، ولم نعد نكترث بمتابعة شؤونهم في كل السنوات التالية، رغم قسوتها الكبيرة وظروفها الاستثنائية.
منذ 2010 وحتى 2017 -بل وقبل ذلك بعامين أيضا، لأن آخر أرقام بُنيت على نتائج العام 2008- تركنا الفقر ومؤشراته، رغم أن ظروفاً ومنعطفات كثيرة ألمّت بالفقراء؛ إذ المسؤولون يعيشون حالة من التيه، وزمن الفقر بالنسبة لهم توقف عند ذاك العام البعيد، فلم يكلفوا أنفسهم إخبارنا ماذا حل بالمحرومين بيننا، وكم بلغت نسبتهم! ولتبدو القصة غير مهمة، فلِمَ نكترث؟!
أغلب الظن أن مسؤولينا يدركون تماماً أن معدلات الفقر زادت، وربما تضاعف عدد الفقراء. بيد أن أسباب تناسي الفقراء كثيرة؛ إذ ربما يخجل منهم المعنيون، وربما لا يكترثون، فالفقراء بكل الأحوال على الهامش والحواف، سقطوا من المعادلة الإنسانية حينما باتوا في مصيدة الفقر.
خلال عشر سنوات، مرت على الأردنيين كثير من الظروف الصعبة؛ فحروب المنطقة تحاصرنا مغلقة الحدود، والأزمة السورية حاضرة بشهود عيان عددهم ليس قليلاً، إذ يبلغ 1.2 مليون سوري على الأرض الأردنية. وكل ذلك تزامن مع برنامجين قاسيين للإصلاح المالي متفق عليهما مع صندوق النقد الدولي، في طياتهما الكثير من القرارات الصعبة.
منذ 2010، أهملنا الفقراء، فلم نعد ندري كم صارت نسبتهم اليوم، مع أن جميع الظروف المحلية؛ الاقتصادية والاجتماعية، تغيّرت. ووفق آخر الأرقام، بلغت نسبتهم 14 %، فيما كان عدد العائلات الفقيرة 180 ألف أسرة، يدعم صندوق المعونة الوطنية نصفها فقط؛ أي إن حوالي 90 ألف أسرة تعاني الجوع حتماً.
حجم المشكلة في اطراد؛ إذ لا سياسات تعالجها، وليس هناك سوى التسكين. فالمشكلة قديمة جديدة، تُرحّل بأسبابها ذاتها من حكومة إلى أخرى، لأن حكومات كثيرة بمئات الوزراء لم تنجح في تخفيض حجم الظاهرة أو محاصرتها على أقل تقدير، بل على العكس؛ بات مدى الفقر يتسع مع الزمن.
الدليل الأكبر على اتساع حجم المشكلة هو تضاعف قيمة مخصصات المعونة الوطنية ثلاث مرات؛ لكأن دور الحكومات هو إنتاج الفقراء بقصور سياساتها، ثم إحالة أوراقهم على صندوق المعونة الوطنية، ليعينهم بدنانيره القليلة على تحمّل وجع الفقر وليس الخروج من دائرته.
حتماً ثمة أسر تخرج من رعاية "الصندوق"، لكنّ الداخلين في دائرته أكثر بكثير. فثلث الأسر معرضة للانزلاق إلى ما دون خط الفقر، بحسب ما تقول الدراسات، ما يعني -بناء على استنتاج وليس معلومات- أن عدد الفقراء زاد كثيرا وارتفع خلال العقد الماضي، وحكوماتنا غافلة عنهم.
استراتيجياً، وكخطوة وقائية، على الحكومات تحصين المعرضين للفقر، بتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لا إضعافها؛ وأن تسعى إلى تقليل العبء عن تلك الأسر بكل تفاصيل قراراتها؛ لأن حماية هذه الفئة الهشة تضمن أن لا تزيد نسب الفقر التي فشلت كل الحكومات المتعاقبة في ضبطها.
في مقابلتها مع "الغد"، والتي أجرتها الزميلة نادين النمري، تؤكد مديرة صندوق المعونة الوطنية بسمة إسحاقات، سعيها إلى معالجة التشوهات في آلية الدعم وتوجيهه لمن يستحقه. وتبذل السيدة جهدا كبيرا لخدمة جزء ممن هم في دائرة الفقر، لكنها بالتأكيد لا تملك عصا سحرية لمعالجة المشكل الذي يحتاج إلى تكامل في العمل وتنسيق ليس موجودا.
قصة الفقر هي، بصراحة، قصة فشل لجميع المؤسسات الشريكة في الملف. وأن يقوم صندوق المعونة بدوره، فذلك مسكّن للوجع ليس إلا، فيما الحل في مكان آخر يبدو أنه لم يسمع أنين الفقراء، ولم تصله صرخة رب أسرة ينازع ليبقى فوق خط الفقر.