الرئيسية مقالات واراء
شاءت الأقدار أن لا تقع كارثة؛ قذيفة سورية طائشة وقعت أمس قرب مدرسة أم حبيبة في الرمثا، ووسط منطقة مأهولة بالسكان.
ليست القذيفة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة؛ فالجانب السوري من الحدود الأردنية يشهد، ومنذ أسابيع، معارك طاحنة، تارة بين جيش النظام السوري والمعارضة المسلحة، وتارة أخرى بين فصائل المعارضة والمجموعات الموالية لتنظيم "داعش" الذي تمدد أخيرا وسيطر على قرى حدودية جديدة.
ووفق توقعات المراقبين، ستشهد المناطق المحاذية للحدود الأردنية مواجهات شرسة مع التنظيم الإرهابي، فيما لا يستبعد أن تتجدد المعارك بين المعارضة وقوات النظام إذا لم تتمكن الأطراف المؤثرة إقليميا ودوليا من فرض التهدئة في الجنوب السوري.
إزاء هذه التطورات، يبدو أن الرمثا ستبقى تحت التهديد إلى أجل غير مسمى، وتحت رحمة الأقدار أيضا، إذا لم نفكر في إجراءات تحول دون سقوط المزيد من القذائف في المستقبل.
للأردن نفوذ واسع على جماعات مسلحة في الجنوب السوري. وتمتلك قوات حرس الحدود المرابطة هناك، خبرة واسعة ومعرفة وثيقة بالظروف الميدانية القائمة على طول الحدود وفي العمق منها. ولا أعلم إن كانت هناك إمكانية لاستثمار هذه الخبرة والصلات لتجنب سقوط القذائف داخل الأراضي الأردنية، عبر ترتيبات تضمن إبعاد مصادر النيران عن حدودنا.
وعلى المستوى السياسي، يتمتع الأردن بعلاقات قوية مع موسكو التي تتمتع بأكبر نفوذ سياسي وعسكري في سورية، وتلتقي مع الأردن حول موقف متقارب جدا من التطورات في سورية، بلغ حد إصرارها على مشاركة الأردن في اجتماعات آستانا المعنية أصلا بتثبيت وقف إطلاق النار في عموم الأراضي السورية.
وقد شكلت المقاربة الأردنية الحكيمة في الجنوب السوري مثالا يحتذى في مناطق القتال الأخرى في سورية. وكانت وما تزال الجبهة الجنوبية عنوانا يتيما للتهدئة، قبل أن تلتحق مناطق في شمال سورية باتفاقيات وقف إطلاق النار.
خلال أيام قليلة، من المفترض أن تلتقي الأطراف الراعية لوقف إطلاق النار في الآستانا من جديد، وبحضور الأردن. ولعلها فرصة مناسبة للضغط بكل الوسائل الدبلوماسية المتاحة، لاستعادة الهدوء في الجنوب السوري، بعد هجمات عنيفة شنها الطيران السوري على مواقع محسوبة على المعارضة السورية المعتدلة لم يستفد منها سوى تنظيم "داعش" الإرهابي الذي استغل القصف للتمدد جغرافيا.
يمكن للعاملين أن يتضافرا ليحققا المطلوب؛ ممارسة الأردن الضغط المطلوب على فصائل "الجبهة الجنوبية" لوقف الهجمات على قوات الجيش السوري في درعا البلد، والتفرغ لدحر"داعش"، وبالمقابل تضمن موسكو وقف قصف الطيران في الجنوب، للعودة إلى الوضع الذي كان قائما في السابق.
التحكم بالتطورات على الجبهة الجنوبية أسهل بكثير مما هي عليه الحال شمالا، حيث يتعقد الصراع بفعل تداخلات خارجية متعددة، وصراع بين قوى محلية تتحرك وفق أجندات إقليمية متشابكة.
باختصار، ينبغي التفكير في كل الطرق الممكنة لتجنب كارثة إنسانية في الرمثا وجوارها، لأن ما من أحد يضمن عدم سقوط قذيفة أخرى في الغد، وتضرب موقعا مأهولا بالسكان.